خالد بن حمد المالك
بعد حرب 6 أكتوبر عام 1973م الذي حققت فيه مصر انتصاراً على إسرائيل، قام فريق أمريكي بجولة على عدد من الدول لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم، كان هذا الفريق قد زار جدة واجتمع بالإعلاميين، وكنت أحدهم، ويومها دار الحديث من الفريق على شكل سؤال: لماذا تكرهون أمريكا، ما هي الأسباب، وماذا ترون من معالجة لها، وصولاً إلى تحسين صورة أمريكا لديكم، وكل من الحضور أدلى بدلوه، وتركزت الآراء على أن السبب الأساسي انحياز أمريكا لإسرائيل، وتشجيعها على العدوان، وعلى احتلال الأراضي الفلسطينية، ورفضها بتشجيع من واشنطن منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
* *
اليوم نشاهد مظاهر هذه الكراهية تتجدد، إعلامياً وسياسياً، والسبب هذا الموقف الأمريكي المعادي للفلسطينيين، ومناصرة إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني في غزة، ودفعها لبعض الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا لتكون إلى جانبها في هذا الانحياز الأعمى، وتعضيدها إسرائيل في تهجير المواطنين الفلسطينيين من غزة، بعد سنوات من تحويل هذا القطاع إلى سجن كبير، يمنع سكانه من الحياة الطبيعية، حيث تقفل المعابر، وتحول قبضتها الحديدية دون تحرك السكان، حيث تترصد لأي حركة يشوبها الشك لدى الجيش الإسرائيلي المرعوب من محاولة لتعرضه لعملية فدائية.
* *
الرئيس جو بايدن رئيس الولايات المتحدة لم يكتف بتصريحاته المستفزة من البيت الأبيض، ولا من استخدامه (الفيتو) لمنع قرار يوقف القتال الدامي الذي تشنه إسرائيل على شعب مدني أعزل، وقرار برازيلي لهدنة قصيرة، ولم يحصر دعمه لعدوان إسرائيل بإرسال حاملة الطائرات «جيرالد فورد» وحاملة الطائرات الأخرى «إيزنهاور» لدعم العدوان، ووضع 2000 من رجال «المارينز» في جهوزية للتدخل لصالح إسرائيل إذا ما تطلب الأمر ذلك، وإنما جاء مسرعاً إلى تل أبيب، بعد أن سبقه وزير خارجيته، ثم وزير الدفاع، فقائد القوات المركزية في الشرق الأوسط، ليعلن عن تضامنه وتأييده لإسرائيل، وأن إمدادها بالسلاح والعتاد سيتواصل.
* *
تريد أمريكا أن تكون محبوبة الشعوب، ورئيسها يتحدث أمام العالم من تل أبيب أن من قتل الآمنين في مستشفى «المعمداني» هو تنظيم «الجهاد» الفلسطيني وهي كذبة كبرى، مصدرها إسرائيل، وتلقفها الرئيس نقلاً عن «البنتاغون» وهو يعلم أن تحديد المسؤولية يمكن التثبت منها من خلال الأقمار الصناعية التي تملكها أمريكا، ويمكنها إطلاع العالم عليها، ويريد أن تكون أمريكا غير مكروهة ورئيسها يجتمع ويشارك في جلسة حكومة إسرائيل المصغرة لرسم الخطط المستقبلية لزيادة حجم الدمار في هذا الجزء من فلسطين.
* *
ما يجري في غزة مجزرة بشعة، وصل عدد القتلى إلى 3468 ولا يزال العدد مرشحاً للزيادة، طالما وجدت تل أبيب هذا التفويض الأمريكي المفتوح الذي يعطيها الحق في استمرار عدوانها، دون صدور قرار أممي يمنعها طالما أن الفيتو الأمريكي جاهز لافشال أي قرار، وطالما أن «نتنياهو» يرى أن حرب غزة عدو مختلف عن الحروب، وأن حماس نوع مختلف أيضاً، وتوافقه واشنطن على ذلك، حيث يقول الرئيس بايدن أمام العالم ومن تل أبيب أيضاً: إن الإرهابيين يعيشون بالظلام، وإسرائيل ليست كذلك، وإن إسرائيل ليست بمفردها، وإنه من تل أبيب يجدد التأكيد على دعم واشنطن لها في هذه الأيام المظلمة.
* *
12 دولة تصوت على قرار لإيقاف الهجوم الإسرائيلي الدموي، ثم تصوت على قرار لهدنة مؤقتة ولم يكن أمام أمريكا إلا استخدام حق النقض «الفيتو» لإفشالهما ما يعني أن أمريكا تريد استمرار هذه المجزرة، وفي المقابل تريد أن لا يكرهها العالم، وتريد أن تحسن صورتها، بينما أعمالها تشوهها، وهي الدولة التي التزمت بحل الدولتين، وتم التوقيع على ذلك في البيت الأبيض، بحضور عرفات وبيجن، اللذين فازا مناصفة بجائزة نوبل، ثم قتلا بعد ذلك بإطلاق نار على الثاني، وبتسميم الأول.
* *
ومما يسجل للمملكة -ضمن مواقفها الداعمة لفلسطين- أنها أدانت بأشد العبارات الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية بقصفها مستشفى الأهلي المعمداني في غزة، ورفضها بشكل قاطع هذا الاعتداء الوحشي، مطالبة المجتمع الدولي بالتخلي عن ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيق القانون الإنساني عندما يتعلق الأمر بالممارسات الإجرامية.
* *
يمكن إنهاء الأيام التي وصفها الرئيس بايدن بـ»المظلمة»، بإقامة دولة للفلسطينيين، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وبإقامتها لن تكون هناك مواقف كارهة لأمريكا، ولا مساعٍ من واشنطن كي تحسن صورتها، وستكون إسرائيل آمنة ومندمجة في المجتمع كباقي دول وشعوب المنطقة بأمن وسلام.