مها محمد الشريف
إسرائيل قصفت غزة بما يعادل ربع قنبلة نووية دمرت كل شيء، وتعرض الشعب لإبادة جماعية، ولم تكتف إسرائيل بالدمار الهائل الذي خلفته، بل تطالب بتسليح المدنيين، فكل هذا الحشد والقصف المتواصل منذ 7 أكتوبر أدى إلى تسوية أحياء بالأرض ومقتل ما لا يقل عن 2750 شخصا في قطاع غزة، وإصابة 9700 آخرين، غالبيتهم من المدنيين، وفق أحدث حصيلة لوزارة الصحة في القطاع.
في اليوم الراهن ما برح أصحاب الشأن يستسلمون إلى كل هذه التجاوزات كما لو كان قدراً قدرته إسرائيل ليخضع له الناس، فهؤلاء ليس لديهم في أفضل الحالات، سوى الإعراب عن تبرمهم وإعلان استيائهم، خفت صوت إيران واختفى عن المشهد قادة حماس وتوارى حزب الله، أشعلوا فتيل الحرب ثم انسحبوا إلى قصورهم ومنتجعاتهم الفاخرة، بعدما هللت إيران بالنصر المؤزر للمقاومة الإسلامية عادت إلى ديدنها القديم بأنها ستحرر فلسطين، فهل تضاءلت فرص السلام أو انتهت؟، سؤال يجري إرجاؤه إلى الأزمنة القادمة؟، وسيظل بلا إجابة لاتساع الهوة بين الحقوق والقانون الدولي.
تعاطف حلفاء إسرائيل معها أغلق ملف الحلول وسياسة بايدن في الشرق الأوسط تنحاز إلى إسرائيل وقد يمنحها الفرصة لتحقيق ما تريد ثم يطرح بعضاً من الحلول المتأخرة، فقد سلط جل اهتمامه لاجتثاث حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، وتجاهل أزمة الأوضاع الإنسانية في غزة المتدهورة، والمعارك الشرسة التي تقوم بها حليفتها.
فما هي تبعات هجمات حماس الصاروخية على إسرائيل سوى دمار غزة واتحاد الحزبين الإسرائيليين حزب الليكود بقيادة نتنياهو وحزب الوحدة بزعامة بيني غانتس، وما زالت أمام المحتل مغامرة ومعركة أخيرة في سبيل الفوز بالأرض وإبادة خصومه كلهم وترك الحياة تمضي قدماً نحو تطلعاتهم وأطماعهم، ومعهم المرشدون غير المتوقعين يفتحون لهم الأبواب ويمهدون الطرق، مع ذلك أيضاً الدعم الكبير من بعض دول العالم للمحتل ولكن تبقى «فلسطين» معجزة الزمان والمكان، القدر ذاته الذي مكن الصهيونية من الاحتلال سيصيبهم بالوهن والخوف مهما كانت الهيمنة.
لطالما كانت العوائق والقيود مهام صعبة تكلف المحتل الكثير لينعم بسلام دائم ويفوز بالاستقرار، إنه انعكاس لعصر يجلب الدمار على نفسه وعلى العدالة. يتسطح منظور العالم عندما لا يستوعب الإحساس بمعاناة دولة محتلة وشعب مكلوم من محتل غاصب يحتاج العالم للخلاص منه، فجميعنا قرأ هذا التاريخ الأسود ويعي كل فرد عربي كم هو حجم مأساة الفلسطينيين سواء كانوا المهجرين أو الذين يعيشون تحت قمع الاحتلال.
إسرائيل كثفت ضرباتها في الأيام الأخيرة لإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بحماس، بينما يحاول وسطاء دوليون التوسط في وقف إطلاق النار، لكن استهداف كبار قادة حماس قد يعوق تلك الجهود حسبما نشرت وسائل الإعلام، في حين يتضح للعيان أن كل ما تفعله إسرائيل من قتل وهدم واستبداد لكي تحول حيوية الأرض إلى سكون الموت.
مثلما تجاوزوا على حقوق الشعب الفلسطيني فهم تجاوزوا على قانون الحياة، والمرء هنا يدرك المعنى الحقيقي للحقد الدفين والعواقب القهرية من الصهيونية لقتل الفلسطينيين وجعلهم يتجرعون مرارة هذا العدوان، وذلك ينم عن ممارسات القمع والقتل وإرغام السكان لترك بيوتهم وقراهم بالقوة وصاحب ذلك ارتفاع في عدد القتلى في غارات جوية مكثفة على مدينة غزة.
وهكذا، فإن مواجهة المحتل أصعب ما تكون لأن الحلفاء قوى عظمى وبينهم تحالف وثيق، فقد مكن الغرب اليهود الصهاينة من إقامة وطن قومي على أساس ديني في فلسطين المحتلة وجعل من دولة إسرائيل الأكثر تفوقًا عسكريًا بينما بسبب هذا القرار الظالم الذي بني على وعد بلفور تم تهجير ملايين الفلسطينيين للشتات وأصبحت قضية فلسطين هي محور النزاعات بالمنطقة وسبب عدم استقرارها السياسي وما نشهده كل يوم من هذا الكيان الغاصب وداعميه في الغرب دليل إضافي على أننا لن نعيش أي استقرار ما لم يتحقق سلام عادل وحل الدولتين.