رقية نبيل
ومن المفارقات الكبيرة جدًّا في قصص ديزني هي الفيلم الأشهر للشركة «الجميلة والوحش»، لطالما ظننت أن الفيلم مقتبسٌ عن حكاية قديمة وعلمت أن هناك بعض الاختلافات بلا شك لكن الحقيقة أذهلتني تمامًا، فهذه هي الحكاية الوحيدة التي تستند إلى قصة حقيقية من التاريخ.. موغلة في القدم وشديدة السوداوية. هذه القصة ترجع إلى عام 1537م، وصاحبها رجل يدعى «بيترس غونزالفس»، ولد هذا الرجل في جزر الكناري، وكان أول رجل في التاريخ يعاني مرضا نادرا يؤدي لظهور الشعر بغزارة على الوجه وكافة أنحاء الجسم، لذا أسموا المرض «متلازمة الذئب»، ومنذ ولادته عومل كما لو كان نوعًا نادرًا من الحيوان، وحبس في قفص وأرسل لهنري الثاني، هدية تتويج لملك فرنسا الجديد, وبعد أن تمت دراسته عشرات المرات، قامت زوجة هنري الثاني والتي خلفت الحكم من بعده بإيجاد عروس له، وكانت تلك الأخيرة خادمة فقيرة تُدعى كاثرين، البعض قال إن الملكة المبجلة ظنت أنه سيكون من المضحك تزويج كائن كهذا، ورغبت أن ترى رد فعل زوجته وكيف ستكون حياتهما معًا، إلا أن ظنها قد خاب ولا شك حينما عاشا معًا لما يقارب أربعين عامًا وأنجبا سبعة أطفال، وإن كان هناك وجه تشابه بين هذه الحكاية والفيلم فهو أن الزوجة تعلمت أن تحب زوجها بحق وأخلصت له ما تبقى من عمرها. كانت هذه الحكاية إلهامًا على مرّ العصور للعديد من المؤلفين، ومنهم قصة كوبيدو والروح للكاتب اللاتيني لوكيوس أبوليوس، ثم انتقلت للقرن الثامن عشر عن طريق الكاتبة الفرنسية غابرييل سوزان دي فيلنوف والتي كانت قصتها مشابهة كثيرًا لقصة فيلم ديزني. أما حورية البحر آريل، الصهباء المرحة المتفجرة حيوية وحياة، ذات الصوت العذب والتوق المعذب لعالم البشر، فتقايض مع الساحرة الشريرة أورسولا صوتها مقابل أن تهبها أقدامًا بشرية لثلاث ليال على أن تتحول لبشرية كاملة ما إن يمنحها الأمير قبلة الحب، فقد كانت حكايتها المفصلة من الخيال الخالص لمؤلفي ديزني، حوريات البحر، وهي كائنات غالبًا ما تكون إناثًا، جسدها العلوي بشري بينما يتخذ شكل ذيلٍ سمكيّ طويل في الأسفل، وقد شاعت حكايات عديدة عن رؤيتهن من قبل البحارة عبر التاريخ، بل قد ورد ذكرهن في الحضارة الإغريقية عن طريق حكاية الآلهة اتارجيس والتي قتلت إنسانًا خطأً فعاقبت نفسها بأن تحولت لسمكة، لكن التحول لم يكتمل وبقي الجزء العلوي بشريًّا، وقد ذكروا في قصص ألف ليلة وليلة والتي لم تترك عجيبإلا وحوتها بين دفتي كتابها.
على أية حال القصة الوحيدة التي تقترب من الفيلم هي قصة صياد فرنسي عاش في مستهلّ القرن العشرين وصاد حورية بشباكه وفتن بجمالها وتزوجها وأنجب منها من الأبناء سبعةً، ثم عندما أحسّ دنوّ أجله قتلها خوفًا أن تكون لغيره من بعده، واضح كم تشيع خرافة الرجال الثلاثة الذين قتلوا ساحرة حبهم في الأساطير, والعديد من كلاسيكيات ديزني مبنية في الأصل على خرافة أو أسطورة أو قصة قديمة من رواية مثل فيلم الأميرة والضفدع المأخوذ من قصة تحمل نفس الاسم للأخوين الألمانيين غريم واللذين جعلا شغلهما الشاغل جمع القصص التراثية والشعبية في كتاب واحد، وتتناول حكاية الأميرة والضفدع عند الأخوين أميرة عثرت على ضفدع وقبلته ليتحول إلى أمير ساحر ويخبرها كيف أن ساحرة شريرة حولته وبقي منتظرًا أميرة لتفك له عقدة الساحرة، بينما في الفيلم لا تقبل الضفدع الأمير المتحول أميرة، بل فتاة فقيرة بسيطة تدعى تيانا، ولا تكون القبلة خاتمة القصة بل بدايتها، حيث تؤدي القبلة مفعولًا عكسيًّا نظرًا لأن تيانا ليست أميرة فتتحول إلى ضفدعة هي الأخرى، وبعد رحلة حافلة لهما معًا تنتهي بالقضاء على ساحر الفودو الشرير والذي كان سببًا في تحول الأمير، ويكتشفان خلالها عن طريق الساحرة العجوز الطيبة أن الشيء المهم حقًّا هو كونهما معًا ومحبتهما لبعضهما البعض، فيتزوجان ضفدعًا وضفدعة، ويتحولان بشريين بعد قبلة الزفاف، حيث إن الزواج جعل من تيانا أميرة وبالتالي فك السحر.
قصة أخرى للأخوين غريم سريعًا هي رابونزل، ذات الضفيرة الذهبية شديدة الطول، في الحكاية تحبس رابونزل في برج عاجيّ وحينما يأتي أميرها لإنقاذها ترمي له بضفيرتها المجدولة فيتسلقها لأعلى البرج ويصل إليها، وهذا هو الدور الوحيد للشعر الذهبي في الحكاية، بيد أن هذا الشعر الذهبي المسترسل الطويل هو البطل الرئيسي في فيلم ديزني، بل أجزم أنه سبب النجاح الساحق الذي حظي به الفيلم، في الحكاية بالطبع يكون أميرًا من ينقذها غير أن ديزني قررت للمرة الثانية تجاهل دور الأمير وجعلت من رابنوزل أميرة مفقودة ومن أنقذها كان لصًّا تسلل إلى برجها هربًا من مطارديه فيكون سببًا في معرفتها الحقيقة، في قصة الأخوين غريم رابونزل ابنة نجارين بسيطين وتخطفها منهما ساحرة شريرة بعد أن ألقت تعويذة عليهما جعلتهما ينامان، عقابًا لهما على تناولهما نباتات من حديقتها، ولما كانت الساحرة لا ترعى رابنزل كما ينبغي طال شعرها كثيرًا، في الفيلم تعتمد الساحرة الشريرة على شعر رابونزل كونه يملك قوى سحرية تسبب بقاءها شابة وعلى قيد الحياة، وبالتالي حينما يقطع يوجين اللص الشعر الطويل تصرخ الساحرة مذعورة وتلقى من أعلى البرج لتشيخ وتتحلل قبل وصولها سطح الأرض، بينما في حكاية الأخوين الساحرة هي من تقص شعر رابونزل بنفسها وتستخدمه خديعة لاستدراج الأمير وهو من يلقى من فوق البرج من قبلها لينجو ولكن يفقد بصره ثم بعد سنوات يتزوجها ويصبح ملكًا وهي مليكته. وغيرها كثير. ملابسات عديدة يلمسها المرء كلما أمعن قليلًا في أفلام هذه الشركة، ولست بصدد الحديث عنها كلها فهي كثيرة، فقط استوقفني مدى بؤس بوكاهانتاس الحقيقية مقارنةً بتلك المرأة «السعيدة جدًّا» في الفيلم، ربما لأني قرأت كثيرًا عن المجازر التي ارتكبتها أمريكا في حق الهنود لتستولي على أراضيهم بدءًا من قتلهم جهرًا وحتى بيع المواد المسمومة لهم وانتهاءً بحبسهم في محميات الآن كنوع نادر وجليل من الحيوانات. والأمر الآخر الذي يذهلني كلما فكرت فيه، هو مدى تغلغل أفلام ديزني في شخوص أطفالنا، فهم ينشؤون عليها حرفيًّا وتصبح جزءًا أصيلًا من ماضيهم وذكراهم، ويأخذون عنها الحوادث والشخصيات كما لو كانت منقولة لهم من كتب التاريخ، ومما لا أشك فيه أن العديد من هذه القصص حولت لتناسب الأطفال حيث تكون في أصلها قاتمة وخواتيمها مأساوية في كثير من الأحيان، لكننا نظل دومًا عرضة لابتلاع أي معنى خفيّ أو إشارة مسيئة وضت في بطن الفيلم لغرض ما، دون أن ندري أو نلتفت لذلك.