د. محمد بن أحمد غروي
أضحى جلياً انقسام الشرق والغرب في الصراع الدائر في قطاع غزة، في ظل تصاعد القلق من التداعيات الإنسانية والأمنية الكارثية لاستمرار التصعيد وتمدده، والخوف المتجسد من تهجير سكان غزة، وعدم المبالاة بحياتهم من قبل آلة القتل الإسرائيلية، في حين وقف الساسة الغربيون وآلاتهم الإعلامية في صف العدوان، وتحميل فصيل فلسطيني كامل المسؤولية، وهو ما يلقي بظلاله على إعلام دول الشرق الآسيوي من خلال تأطير الخبر حتى في المنصات الاجتماعية، بعد إعلان «ميتا» حذف نحو مليون محتوى عمَّا يجري عن الحدث داعمة للرؤية الفلسطينية. ورغم ذلك كله يبقى التساؤل كيف ينظر ساسة الشرق الآسيوي للقضية الفلسطينية الممتدة لقرن من الزمان؟
اليابان رغم قربها من المعسكر الغربي إلا أنها مع حل الدولتين في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وما زالت تتمتع بعلاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية، وزارها رئيس الوزراء الياباني الأسبق، وفي الأزمة الحالية فإن طوكيو الدولة الوحيدة من بين مجموعة الدول السبع الصناعية G7 التي لم يتوقف بيان خارجيتها عند إدانة الهجمات المتعاقبة، بل تطرقت إلى القلق من ارتفاع أعداد الضحايا في قطاع غزة نتيجة للرد العسكري الإسرائيلي.
أسهمت اليابان بمساعدات لفلسطين تقدَّر بمليارات الدولارات، وهي من أكثر دول الشرق الداعمة لمنظمات ووكالات تعمل على دعم الشعب الفلسطيني، وموقفها المناصر لمفاوضات أوسلو، وتعمل على إيجاد موقع لها كصديق موثوق به في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن القضية الفلسطينية أصبحت ضمن محور اهتمامها وأولوياتها.
المتابع للسياسة اليابانية الحالية يرى نظرة طوكيو المتمثلة في الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة منذ عام 1967 والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة مع الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والاعتماد على المفاوضات لتحقيق السلام.
باتت الصين لاعباً محورياً في حل الصراعات العالمية، وهي منخرطة بشكل مباشر بقضايا الشرق الأوسط وفي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من خلال مبادرة الحزام والطريق، وهي داعمة لحل الدولتين للسلام بين الجانبين، وضمن دول الشرق الآسيوي التي تقدم مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني، بل كانت في عام 1965 أول دولة من خارج منطقة الشرق الأوسط والدول العربية تمنح منظمة التحرير الفلسطينية اعترافًا دبلوماسيًا، فضلًا عن منحها مساعدات عسكرية وعتاداً، وشهد العام 1979 تغيرًا رئيسيًا في سياسات الصين تجاه الشرق الأوسط، إذ بدأت في دعم أطراف القضية لحل الصراع من خلال المفاوضات السياسية.
تبلورت الرؤية الصينية في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بإعادة الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وضمان أمن إسرائيل، وهو ما أكده وزراء خارجيتها، ومع قدوم الرئيس شي جين بينج وانخراط التنين الصيني في العديد من القضايا العربية، انعكس ذلك في عدة خطوات كان أبرزها دعوة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لزيارة الصين عام 2013، وبعدها بأعوام قدَّم شي مقترحًا لمحمود عباس بشأن الصراع يؤكد حل الدولتين، وتأسيس دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وتنظر بكين فيما يُجرى حالياً في غزة بأنه تجاوز عن نطاق الدفاع عن النفس داعية إلى وقف العقاب الجماعي على أهل غزة.
تحاول كوريا الجنوبية مسك العصا من المنتصف في القضية الفلسطينية، معبرة عن رؤية سيول الدائمة من الصراع بين فلسطين وإسرائيل، على الرغم من وجود ضغط أمريكي على سيول للوقوف مع واشنطن في دعمها لإسرائيل في الحرب الحالية على قطاع غزة، بحسب وسائل إعلام محلية.
في اعتقادي أن موقف دول الشرق الآسيوي هو الأفضل حالًا من الدول الغربية المتواطئة مع آلة الحرب الإسرائيلية، إلا أن الصوت العربي بحاجة إلى صوت الشرق الآسيوي؛ للضغط على القوى الغربية للوقوف بشكل عادل، وإدانة الرجس الأخلاقي الإسرائيلي والحد مما يجري من تهجير وظلم وقتل في حق المدنيين العزّل، وهو ما يتنافى مع القانون الدولي الإنساني.
الرياض لم تهدأ منذ بدء العدوان وقامت بما يجب، فحل القضية التي ناصرها قادتها وموقفهم الدائم من تلك القضية التي طال أمدها في الرياض ومع النظرة الشرقية الآسيوية ووثوقها بالموقف السعودي والمبادرة العربية للسلام سيعجِّل من حلحلة الصراع العربي الفلسطيني بشكل جذري.