سام الغُباري
عاد سريعاً، دارت طائرة بوينغ 747 في الفضاء المتسع، متجهة نحو الرياض بعد ساعات من المغادرة. هذه المرة كان في استقباله بالقصر الملكي سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، في الغرفة التي حملت ثلاث مصفوفات من الحُليّ العربي الفلسطيني كان الحديث واضحاً، يجب إيقاف الحرب، وقف التهجير، وقف استهداف المدنيين، استعادة مسار السلام.
قبل يوم واحد كان وزير الخارجية الأميركي بلينكن في الأراضي الفلسطينية المحتلة يحاول «البكاء» في مؤتمر صحفي متأثراً على من أسماهم «ضحايا إسرائيل»، في طريقه إلى المطار سابق سائق سيارته المدرعة الريح نحو مطار بنغوريون، حيث كانت سماء «يافا» التي أصبح اسمها «تل أبيب» تجاهد صد الرشقات الفلسطينية الصاروخية.
تنفس بلينكن الصعداء، مع صوت قائد طائرة البوينغ بدخولهم الأجواء السعودية، في المطار الخاص، كان مندوب المراسم في استقباله، وبجواره سفير أميركا لدى الرياض، انطلق الموكب مباشرة نحو وزارة الخارجية وسط العاصمة السعودية، توقع بلينكن حشداً من المصورين والصحافيين، فقد تدرب جيداً في مرآة غرفته الخلفية بالطائرة على تكرار خطاب «مؤثر» يدعو إلى وقف الهجمات على الأبرياء الإسرائيليين!
غير أنه لم يجد صحافياً، ولا منصة مفتوحة لإظهار «تأثره المصطنع» من داخل عاصمة القرار العربي والإسلامي، فقط هو في مواجهة وزير محنك وصارم، تسريبات الحديث الذي أدلى به وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان بدا مترجماً لقوة السياسة وثقل المملكة الدولي والعربي والإسلامي، كان بيلنكن يصغي دون أن ينبس ببنت شفه، لم يؤذن له ساعتها سوى المضي نحو المطار إلى حيث تحط رحلته القادمة.
في الجو، تلقى اتصالاً: عُد إلى هنا، لم يتسن له الاستئذان من البيت الأبيض، كان بايدن يغط في نوم عميق، تحدث بلينكن مع نائبة الرئيس كامالا هاريس على عجل، وأغلق سماعة الهاتف، لحظة وصوله إلى المطار الخاص، استقبله نفس الأشخاص السابقين، بتلك الصورة الآلية، أهلاً، تفضل، من هنا.
ارتجفت ساقا الوزير لبرهة، بعد نصف ساعة تقريباً كانت سيارته المدرعة تدلف جوف قصر ملكي فاره الإبداع، متقن الصنعة، وفي إحدى الغرف الواسعة برز إليه الأمير محمد بن سلمان بابتسامته الشهيرة، طلب منه الجلوس، جفل بلينكن للحظة، أدار رأسه إلى الخلف مُشتتاً يبحث عن الكرسي الوثير، جلس، وندت منه تنهيدة طمأنينة افتقدها منذ ساقته الصراعات الأخيرة لخوض المجال الجوي لمنطقة الشرق الأوسط.
في كل اللقاءات التي كان على انتوني بلينكن مواجهة الأمير محمد بن سلمان، يتراكم في داخله ذلك الانطباع الآسر، عن شخص فريد، مُهاب، يعرف جيداً لغة المصالح والقوة دون أن يجرفه ذلك عن قيم الولاء والوفاء لدينه ووطنه ومحيطه العربي والإسلامي وقضاياه العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يكاد الإجماع الدولي يتحد على اعتبار الأمير العربي المُلهم محمد بن سلمان الشخصية الأكثر قدرة على إحراز التقدم الفاعل على الأرض فيما يخص حل الدولتين، وتحويل المأساة الحاصلة الآن إلى فرصة لإيجاد صوت عاقل له ذلك التأثير والفعل والقدرة على أن يكون ميزان الحقيقة بعيداً عن المطففين الذين يكتالون على حقوق الشعب الفلسطيني.
بيان وزارة الخارجية السعودية الأخير شدّد على حق الفلسطينيين فقط، ولم يذكر شيئاً عن الكيان الصهيوني كما فعلت بعض البيانات همساً أو تلميحاً.
عقب اللقاء الأخير، غرّد بلينكن في صفحته بمنصة X حزيناً على الضحايا الفلسطينيين، بدت تلك العبارات مكتوبة بلغة سعودية، فقد كان التأثير السعودي واضحاً، وطيف محمد بن سلمان المهيب طاغياً على تفاصيل التحركات الدبلوماسية الأميركية.