عبدالله إبراهيم الكعيد
العالم الافتراضي (Virtual World) بيئته وبناياته، شوارعه ودهاليزه وحتى أُناسه داخل بطون الحواسيب وفي مخازن الشرائح الذكيّة وفي برمجيات المحاكاة التشبيهيّة والألعاب الإلكترونية. لو أردنا وصف ذلك العالم الافتراضي بشكلٍ عام (حسب رؤيتي الشخصية) فيمكنني القول بأنه عالم أقرب ما يكون لما يدور في أحلام البشر أي أنه عالم غير حقيقي رغم محاكاته القريبة من الواقع. إنه عالم تدير شؤونه وما يدور فيه حواسيب فائقة الذكاء الاصطناعي.
رغم أن الأحداث التي يراها الإنسان في أحلامه وما يدور في العالم الافتراضي مختلفان في بنيتهما ومحتواهما الخيالي إلا أنهما يشتركان في بعض الحالات بمساعدة الإنسان في تجريب فرضياته ومعرفة مدى القدرة في تطبيقها على أرض الواقع.
يرى الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار أن العالم الإنساني لا يكون مُعطى طبيعيا يمكن التعرف عليه إلا بالمعايشة والتجريب والخيال هو الذي يكشف عنه على نحو حقيقي.
على هذا وحسب رؤية الفيلسوف فإن الخيال هو (بوصلة) الاهتداء لمعرفة طبيعة الواقع الحقيقي ومن ثم إعادة تلوينه كي يكون مبهجا، رحيما ويحظى بالرضا والقبول.
إذا اجتمع في فرد خيال خصب مع تعلّق وانشداد تلقائي لمُدهشات العالم الافتراضي فسوف يتكون ما يجوز أن يُطلق عليه «الكائن الافتراضي» وهو الإنسان الذي يعيش مأزق الركض وراء عالم سرابي (غير واقعي) وقد يواجه صعوبات جمّة في الانفكاك منه فيصبح تبعاً لذلك في حالة ارتباك دائم وتشتت ما بين الواقع وبين ما التقطت حواسّهُ من ذلك العالم الافتراضي.
حتى نتعرّف بشكل واضح على ذلك الكائن في عالمنا الحقيقي يكفي أن نرصد ما نراه من مغامرات غير محسوبة العواقب في الشوارع وأثناء العمل ومع الآخرين. ولو حاولنا التعامل مع صاحبنا الافتراضي لاكتشفنا أن مشاعره هي الأخرى أصبحت رقمية (ديجتال). حُزنه، فرحه، حبّه، بطولاته، العابه إلخ. والحقيقة أن الكثير من جيل هذا اليوم قد فضّلوا عالمهم الافتراضي لهذا يقضون جّل أوقاتهم فيه حيث يتواصلون مع أصدقاء مثلهم افتراضيون. يتشاركون معهم ذات الاهتمامات. تجمعهم تطبيقات ميدانها كواكب خيالية. سكّانها خليط من بشر ومخلوقات غير بشرية. أنماط سلوكهم وتصرفاتهم غير معهودة.
المأزق يكمن حين يخرج أحد هؤلاء اليافعين من عُزلته مضطرا لقضاء متطلباته واحتياجاته البشرية المعتادة يصبح أقرب ما يكون الى روبوت ليس لديه في الغالب مشاعر حقيقيّة ويتصرف كما كان يفعل ويتعامل في عالمه الافتراضي البارد.
ذلك الذي اسميته بالكائن الافتراضي قد يصبح خطرا على نفسه وعلى الآخرين لهذا يجب السعي بشكل لطيف نحو إخراجه من قوقعته الافتراضية وادماجه في الحياة الواقعية ليعود كما كان بشراً سوياً.