د. إبراهيم بن جلال فضلون
الولايات المتحدة والغرب العجوز قوة متحدة في المصالح النفعية، وباطنها معارك وجودية في واجهة الدُب الروسي على ميزان «طوفان الأقصى» الذي كشف المستور بحرب إسرائيل ومخططاتها بالمنطقة.. وهو قلقٌ بل قد يتحول إلى كابوس يتجاوز مداه أوكرانيا التي سيُغلق عنها المدد والمعونات والترسانات الأمريكية الغربية بل والدعم الكامل، ولكن السؤال: هل يمكن أن تكون لروسيا الأيدي العليا في تحويل الحرب لمنطقة الشرق الأوسط، لتدمير ذلك التحالف الذي ينهال بدعمه على أوكرانيا؟، أم أنها اتبعت نفس السياسة بالاستنزاف للقدرات الغربية كما فعلوا فيها في أوكرانيا؟، كُلها أسئلة تدور بالذهن وكُلها منطقية على الرغم من نفي روسيا علاقتها بحرب غزة، ولا ننسي قبل الحُكم خشية أميركا التي وجهت بوارجها وطائراتها المتقدمة لدعم مدللتها إسرائيل التي تضرب وتخالف القوانين الدولية وأعرافها التي تم تفصيلها فقط على مقاسهم، دون اعتبار للأبرياء وحقوق الآخرين ومنهم الشعب الفلسطيني الذي تم اغتصاب أرضه، لكن (ما يبنوه يذهب هباءً) بل ذهب في ليلة وضُحاها، بعملية خاطفة قهرت قدرات القوى الكُبرى وغطرستها، بل وقبتها الحديدة التي لا يخترقها (ذُبابة)، لتعيش إسرائيل وحلفاؤها ليلة سوداء سوف لا ينسوها منذ العاشر من أكتوبر 1973.
لقد فضحت العملية الخاطفة ما وراء الغُلاف، كما فضح حسام زملط سفير فلسطين في لندن ازدواجية معايير الإعلام الغربي الذي يوهمنا بما يُريدون وماسونية العالم البلهاء، رافضاً زملط الإجابة عن أسئلة مذيعة بي بي سي حول إذا ما كان يدين معركة طوفان الأقصى، معتبراً أن مبدأ السؤال فاسد من الأصل، وانتقد القناة لعدم استضافته إلا حين ذاقت إسرائيل من الكأس الذي يذوقه الفلسطينيون منذ بدء الاحتلال.. قائلاً بالنص: «كل هذا بدأ في هذه البلاد، منذ أن سلبتنا بريطانيا حقوقنا دون استشارتنا والرجوع إلينا، ليثبت نهج المجتمع الغربي والدولي فشله بالكامل». مشيرا إلى أن «العالم والمجتمع الدولي يغضان نظرهما ويصمان آذانهما عن انتهاكات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين لعقود، ويتحدث عند مقتل الإسرائيليين فقط»، وها هو وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس يُعلنها قولاً فصلاً: «المجرمون هنا ليسوا حماس، ولا حتى المستوطنين الإسرائيليين الذين يقتلون الفلسطينيين. المجرمون هم الأوروبيون، لقد شاركنا في هذه الجريمة ضد الإنسانية على مدى عقود من خلال إبقاء أفواهنا مغلقة، طالما أن الفلسطينيين هم من يموتون وليس المحتلين. ويجب أن تتحول هذه المأساة المذهلة إلى فرصة لنا نحن الأوروبيين لكي نستيقظ ونخلص أنفسنا من خلال المطالبة بذلك بشكل جماعي».. وكلامه منطقي فقد أضاعونا في «مدريد» وفي «أوسلو».. وغيرهما من المبادرات والاتفاقيات التي خانوها.
كل حرب مهما كان حجمها، ومهما كان عدد المشاركين، لا بد وأن تنتهي لترتيبات سياسية، وتحديث واقعي لخرائط جديدة، تنشأ جرّاءها كيانات متعددة، كما حدث في الحروب العالمية والإقليمية، لكم في حالة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، هي حالة أبدية غير منقطعة، فهي لم تنطلق يوم السابع من أكتوبر2023، بل بدأت منذ أوائل القرن الماضي، حتى يمكن تسميتها بـ «حرب القرنين».
في الحروب الكبرى، ومفاجآتها كطوفان القدس، أو المتوقعة منها كالحرب الروسية - الأوكرانية، لا يعود للتحليل السياسي مكان. فالأحداث تتسارع وتسبق أزمانها بعبارة «عاجل»، لتصل غزة لحدودها في أرض 48 ويقصفون تل أبيب، ويأسرون ويقتلون ويُرعبون حتى أميركا وأوروبا اللذين هبا بدعم الشمطاء اليهودية.