حسن اليمني
لا جدوى من انتظار عدل ولا حتى عقل من الغرب تجاه مشكلة فلسطين فهي بالنسبة لهم ثمرة انتصار بعد حروب طويلة مع المسلمين عبر التاريخ، ومن يعتقد بغير هذا عليه مراجعة نفسه، وما يهمنا اليوم هو قراءة يوم السابع من أكتوبر لعام 2023 م فهو يوم تاريخي مشهود.
انطلقت شرارة اليوم السابع تمام الساعة السادسة صباحا لتسيطر المقاومة الفلسطينية على مغتصبات محيطة بقطاع غزة فتقتل وتأسر قيادات عسكرية رفيعة في جيش الكيان الصهيوني ويصاب العالم كله من أقصاه إلى أقصاه بالصدمة والمفاجأة حتى أن كيان إسرائيل لم يبدأ يستوعب ما جرى إلا بعد ساعات في مساء ذلك اليوم ليبدأ يستجمع قواه المبعثرة والمنهارة تماما، وقد سبق أن كتبت عدة مقالات أشرت فيها إلى أن منطق التاريخ يعلمنا أن إمكانية تحرير فلسطين باتت قريبة وقريبة جدا ولم أكن في حلم رغبوني بقدر ما كان نتيجة قراءة منطق التاريخ الذي طور الحجارة إلى قذيفة ثم صاروخ خلال ثلاثين عاما فقط، وإذا كانت سردية الأحداث الجارية في غزة اليوم وصلت إلى نفث الأحقاد والغضب للانتقام البائس وهي مهما علت واشتدت فإنها لا تعدو عن كونها رد فعل طبيعي ومنتظر، وبالتأكيد لا أحد كان ينتظر من الكيان الصهيوني رفع راية الاستسلام لكن أيضا لا يمكنه فعل أكثر مما فعل قتلا وتدميرا من خلال الطائرات الأمريكية والقنابل والصواريخ الأمريكية وبمعية الاساطيل الأمريكية التي جاءت لتشد عضد ربيبتهم في فلسطين تحت مسمى (إسرائيل) تبعتها فرنسا وبريطانيا وباقي زمرة الحشد الغربي المسيحي المتصهين، وبذات الوقت غاب الدعم والإسناد للهبة الفلسطينية ليجد الكيان الصهيوني الفرصة مواتية لتهجير سكان غزة من أرضهم إلى سيناء مصر وهو الأمر المنطقي والطبيعي بالمفهوم الإسرائيلي ذلك أن بقاء المقاومة يعني تأجيل التحرير إلى مرحلة قادمة وكما قال (نتنياهو) هي حرب موت أو حياة والآخر في الكونغرس الأمريكي (ليندسي غراهام) يراها حربا دينية تستوجب مسح غزة عن وجه الأرض وكلاهما محق فما حدث فعليا هو حياة أو موت للكيان الصهيوني في فلسطين كما أن القضية من أساسها دينية ولم تكن أبدا في يوم من الأيام قضية حقوق وتاريخ إلا من خلال تلك الحروب الصليبية وهي بالتالي حرب دينية مستمرة.
إن حلم إسرائيل بتهجير سكان غزة إلى سيناء حلم قديم يتبعه تهجير سكان الضفة الغربية للأردن حتى بدأ للبعض أن أصل الانفجار إنما تم بتخطيط من الكيان الصهيوني لتحقيق هذه الغاية والهدف، هكذا يقرأ المنهزمون صورة ما يجري فالتحرير والقدرة على ذلك ليس في قاموس هؤلاء أبدا، باعتبار أن ذلك يعني مواجهة مع النظام العالمي المدجج بالسلاح والمال والإعلام وبالتالي تكون مواجهة خاسرة وعليه أصبحت محاولات التهدئة والتضحية بالمقاومة مقابل بقاء السكان في غزة هو الخيار الأنسب فبتنا نسمع جهودا حثيثة لفتح معابر لايصال الغذاء والدواء وليس أكثر من ذلك، لكن ذلك يبقي خيار اقتحام غزة اضطرارا وهو ما لا ترغبه إسرائيل لكلفته الباهظة وهي ترغب في تهجير السكان لمسح غزة بشكل تام عن وجه الأرض بأعتى الأسلحة للقضاء على المقاومة تحت الأرض من خلال الطائرات بدلا من اقتحام بري تعرف تكلفة ثمنه، والتكلفة لا تعني عدد القتلى من جنودها ولكن انهيار منظومتها الأهلية الداخلية نتيجة ذلك بما يحدث انهيار وتفكك للكيان في جبهته الداخلية وقد ينهيها كما أنهاها في دولتها السابقة عام 70 قبل الميلاد عندما انقسمت إلى مملكتين ثم سحقهم إمبراطور بيزنطة وطردهم من فلسطين وسن قانون بعدم السماح لهم بدخولها مرة أخرى وتبعه في ذلك هرقل الروم واستمر سريان القانون في العهد العمري بعد فتحها إلى بداية القرن العشرين حين بدأ توافد اليهود إلى فلسطين ثم قيام دولتهم عام 1948م.
لا يمكن فهم ما يجري دون العودة للتاريخ وقراءة أحداثه ومعطياته وبغياب هذا الفهم للتاريخ فإن الصورة تبدو جماعة من البشر تصنف بأنها «إرهابية» تريد القضاء على شعب دولة عضو في المنظومة الدولية وهي بكل أسف الصورة الأبرز والأوسع انتشارا في العالم بما في ذلك داخل الوطن العربي، ولم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يكتشف أمرا جديدا حين صرح بأن فلسطين تاريخيا هي أرض للعرب وأن زراعة الكيان الصهيوني خطأ وإنما ربما كان ذلك من باب الكيد تجاه الغرب حلفاء أوكرانيا ومع هذا فهو قول حق كان يمكن الاستفادة منه بشكل مثمر.
الأرجح أن تتصاعد الأمور لتنقلب بعض المواقف رأس على عقب وتفتح جبهات أخرى للمواجهة في حال اختار الكيان الصهيوني ترحيل سكان غزة بالقوة العسكرية البرية وإلا فإنها ستعد مواجهة قوية أولى تتجه بنا نحو مواجهات أخرى متفاوتة إلى أن تحين فرصة أخرى لتكون أقوى من الحال الراهن وبمعنى أن تحرير فلسطين قادم لا محالة وإن بقاء الكيان على أرض فلسطين لا يتوافق مع المنطق وطبيعته وبالتالي مصيرها الزوال وإن كان ذلك يعد لدى الكثير بمثابة رجم بالغيب لكن المنطق التاريخي لا يتغير ولا يحابي أحدا، فلم تكن فيتنام ندا للولايات المتحدة الأمريكية ولا حتى أفغانستان وبالتأكيد فلسطين ليست استثناء من التاريخ.