عبدالرحمن الحبيب
الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة في الكون، فلماذا لا تزدهر صناعته سريعاً كمصدر كبير للوقود النظيف للتعامل مع تلوث البيئة؟ المشكلة في أنه نادراً ما يوجد على الأرض في حالته الحرة، لأنه عنصر شديد التفاعل ويرتبط في جزيئات عناصر أخرى، خاصة مع الكربون في الغاز الطبيعي والهيدروكربونات الأخرى، ومع الأكسجين في الماء، ويتطلب استخلاصه طاقة مكلفة وقد ينبعث الكربون من هذه العملية بينما المطلوب أصلاً إزالته، وذلك يتطلب استثمارات ودعماً حكومياً ضخماً.
هناك المئات من مشاريع الهيدروجين حول العالم، من المتوقع أن تؤدي إلى استثمارات بقيمة 320 مليار دولار بحلول عام 2030.
لكن وكالة الطاقة الدولية، وهي جهة رسمية للتنبؤات، تعتقد أن الهيدروجين النظيف يجب أن يشكل ما يقرب من عُشر الاستخدام النهائي للطاقة بحلول عام 2050، لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، مما يتطلب استثمار 380 مليار دولار أخرى في الهيدروجين بحلول نهاية هذا العقد، بالإضافة إلى 320 مليار دولار تم الإعلان عنها حتى الآن.
المملكة العربية السعودية لها دور ريادي في هذا المجال فحسب مؤشر بلومبيرغ تعتبر الأولى عربياً وستصبح الأولى عالمياً في اقتصاد الهيدروجين بنهاية 2023، وسبق أن أعلن عن تمويل أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم والمزمع إنشاؤه بمدينة أوكساجون في نيوم، بتمويل تجاوز 10.3 مليارات ريال بالشراكة مع البنوك السعودية والدولية.
التحدي ليس سهلاً، فمند العقد الأول من هذا القرن أظهرت مشاريع شركات الهيدروجين نتائج بين الفشل أو دون المستوى المطلوب، مما جعل أوليفييه موسات، رئيس Atome، وهي شركة بريطانية تخطط لتصنيع الأسمدة من الهيدروجين المنتج باستخدام الطاقة الكهرومائية الزائدة في باراغواي، يصرح بأنه يخشى أن «الكثير من الناس كانوا يبيعون آمالاً مخدرة» وأفرطوا في التفاؤل.
لتجاوز ذلك لا بد من توفر حالتين: الأولى هي أن الدعم الحكومي بتقديم إعانات، ضروري لتمهيد صناعة الهيدروجين؛ والثانية هي تطوير التقنيات لتقليل التكلفة.
تطوير التقنيات من أجل إنتاج الهيدروجين الأزرق وهو هيدروجين من مصادر أحفورية (غاز طبيعي) حيث يتم التقاط انبعاثات الكربون وتخزينها، لأن عملية استخلاص الهيدروجين ينبعث منها الكربون، وفي التقنية المطورة يتم التقاط ثاني أكسيد الكربون الناتج أثناء عملية التصنيع وتخزينه بشكل دائم تحت الأرض.
والنتيجة هي هيدروجين منخفض الكربون لا ينتج عنه ثاني أكسيد الكربون، وهو ما تعمل عليه أرامكو السعودية.
البديل الأفضل بيئيًّا هو ما يطلق عليه الهيدروجين الأخضر لأنه يصنع من مصادر غير أحفورية، وينتج من خلال تكسير الماء إلى هيدروجين وأكسجين باستخدام الكهرباء أو المحلل الكهربائي وهي آلات عملاقة تستخدم في إنتاج الهيدروجين عن طريق تجريده من الأكسجين في الماء، فالعملية أصلاً خالية من الكربون.
يعتبر الهيدروجين الأخضر أنقى أنواع الهيدروجين ويمكن استخدامه فورًا، مثل السيارات التي وقودها هيدروجين، أما الهيدروجين الأزرق فيستخدم في الصناعات المختلفة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بتكلفة منخفضة نسبيًّا.
ومن المقرر أن تبدأ شركة نيوم للهيدروجين الأخضر، في تسليم المعدّات الأساسية لإنشاء أكبر مصنع في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة «أوكساغون» بمنطقة «نيوم» السعودية.
كما تطرح مجلة الإيكونيميست أنه على عكس ما كان عليه الحال قبل 20 عامًا، عندما زاد الحماس للهيدروجين كوقود للسيارات، فإن التركيز هذه المرة على الصناعات كثيفة الانبعاثات مثل صناعة الصلب والأسمنت والنقل لمسافات طويلة، والتي لا يمكن نزع الكربون عنها بالكهرباء وحدها.
ومع ذلك، فإن عملية التنظيف مكلفة، ويزداد الأمر سوءًا مع ارتفاع أسعار الفائدة مما يؤدي إلى زيادة تكاليف مشروعات الهيدروجين ذات رأس المال الضخم.
ورغم هذه التحديات، فالنمو السريع لهذه الصناعة هو احتمال واضح، حسب الإيكونيميست، حيث تتوقع Esben Hegnsholt، وهي شركة استشارية، أن تنضج بسرعة طرق تصنيع المحلل الكهربائي وخلايا الوقود (التي تجمع بين مدخلات الهيدروجين والأكسجين لإنتاج الكهرباء وبخار الماء) وغيرها من معدات الاقتصاد الهيدروجيني.
كما تبحث الشركات عن طرق للخروج من عنق الزجاجة لتصنيع الهيدروجين النظيف بتسهيل إمكانية الوصول إلى المعادن النادرة اللازمة لإنتاج الهيدروجين في المحلل الكهربائي ولإنتاج الكهرباء باستخدام خلايا الوقود.
هناك محاولات بتحويل الهيدروجين المتسخ سابقًا المستخدم في مصفاة كبيرة إلى هيدروجين أزرق، مع تغذية ثاني أكسيد الكربون المحتجز في خط أنابيب لبيعه للعملاء الصناعيين.
كما أن هناك قطاعات أجدى اقتصادياً من غيرها ينبغي التركيز عليها، فمثلاً وجد أن الكهربة هي خيار أفضل بكثير في سيارات الركاب، كما وجد أن تدفئة المنازل باستخدام الهيدروجين أقل كفاءة وأكثر كثافة للموارد من استخدام مضخات الحرارة الكهربائية.
لذا يُقترح أن جهود القطاع يجب أن تذهب أولاً نحو التطبيقات الصناعية لأنها أسهل بكثير من استخدام الهيدروجين لتدفئة المنازل على سبيل المثال.
كل ذلك يساعد في تنفيذ مشاريع الهيدروجين النظيف القابلة للتطبيق، حيث يمكن أن يوفر الهيدروجين الأخضر ما يصل إلى 25% من احتياجات الطاقة في العالم بحلول عام 2050، ويمكن أن تصل قيمته السوقية إلى أكثر من تريليون دولار سنويًّا بحلول عام 2050 وفقًا لبنك جولدمان ساكس.