خالد بن حمد المالك
تخلى وزير خارجية الولايات لمتحدة الأمريكية عن التقاليد الدبلوماسية، وتعامل مع التطورات بين حماس وإسرائيل بأسلوب عاطفي يًنُمُّ عن أن الانحياز الأمريكي الظالم لإسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية يأتي أولاً وثانياً وأخيراً، وأن لا شيء من الحقائق يمكن أن يغير في العقلية السياسية في أمريكا.
* *
يقول وزير خارجية أمريكا من تل أبيب حيث وصلها مذعوراً من التطورات العسكرية، والخسائر التي منيت بها إسرائيل، بأنه لم يأت إلى تل أبيب كوزير للخارجية فقط، وإنما أتاها كيهودي فرَّ جده من القتل، والسؤال تلو السؤال: من أين فرَّ جده اليهودي، ولماذا فرَّ، ومن كان وراء فراره، وما علاقة احتلال إسرائيل لأراضي الفلسطينيين، وهذه الحرب بين حماس وإسرائيل في هذا الفرار؟!
* *
إذا كان اليهود -جد الوزير اليهودي تحديداً- قد اضطُهدوا، ما اضطر جده إلى الفرار، أليس الأولى بأن يكون الاقتصاص ممن كانوا سبباً في فرار هذا الجد (المجهول!!) بدلاً من أن تتحمل وزر هذا الاضطهاد؛ والمحرقة، شعب وأرض لا علاقة لهم بكل ما قاله الوزير الأمريكي في تعالٍ وفوقية واستهتار بعقول المتابعين لاضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطيني.
* *
حسناً، ألم يكن الأولى (دلبوماسياً) أن يقول الوزير إنه جاء لإطفاء هذا الحريق، ومعالجة أسباب التوتر، وصولاً إلى وقف الهجوم الإسرائيلي غير المبرر على المدنيين الفلسطينيين، وتجنب الانتقام الإسرائيلي على النحو الذي نراه الآن، حيث لا أمان لأي مدني في غزة من هذا الجحيم ومن النيران التي تصبها الطائرات الإسرائيلية دون رحمة أو تمييز.
* *
لقد فوتت أمريكا -كما إسرائيل- كل الفرص التي أُتيحت لصنع السلام الدائم والمستمر في منطقتنا، بضمان قيام دولتين واحدة إسرائيلية وأخرى فلسطينية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ولا زالت واشنطن تدفع بإسرائيل للعناد، ورفض كل الحلول الخاصة بالتسوية، وتمدها بمتطلباتها لتحتفظ بتفوقها العسكري لمنع أي حل لهذا الصراع التاريخي الدامي.
* *
يتحدث وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن أنه شاهد فيلماً عرضه عليه الإسرائيليون، وأنه لم يستطع استكمال مشاهدته لهول ما رآه، وفي المقابل فهو يتعامى (قصداً) التعليق على مشاهد التدمير والقتل التي تتعرض لها غزة، ويشيب لها الرأس، باستخدام أقسى أنواع الأسلحة فتكاً، واستخدام الفسفور الأبيض بحسب تصريح منظمة ووتش، وإلقاء 600 قنبلة تزن 4000 طن حتى يوم الجمعة.
* *
أسأل وزير الخارجية الأمريكي، أليس الإسرائيليون من صرحوا: لن تدخل شاحنة وقود، ولن يضخ الماء، ولن تشغل الكهرباء، وسيحرم مَن في غزة من الغذاء، والدواء، أليسوا من قالوا أيضًا إن غزة ستتحول إلى مقابر، وأن على أكثر من مليون مواطن غزاوي أن ينتقل من الشمال (إجبارياً) إلى جنوب غزة، ومن الجنوب إلى سيناء، في تهجير قسري، يعيدنا بالذاكرة إلى نكبة عام 1948م، فيما يتباكى وزير الخارجية على جده اليهودي الذي يدعي أنه اضطر إلى الفرار خوفاً من القتل على أيدي غير الفلسطينيين، وبأرض غير الأرض الفلسطينية.
* *
لماذا لا تتعلم أمريكا من حنكة وحكمة ودراية ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حيث أكد على أن المملكة تواصل العمل للتهدئة، ورفع الحصار عن غزة لمنع كارثة إنسانية، وأنها ضمن هذا الموقف تعمل على وقف التصعيد، والعمليات العسكرية، ورفض استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال، وأنها ضد إزهاق أرواح الأبرياء، ومع مراعاة مبادئ القانون الدولي الإنساني، ومع رفع الحصار عن غزة، واستعادة مسار السلام.
* *
الأمريكيون والبريطانيون لا يتوقفون عن القول إنهم معنيون بدعم إسرائيل، فهاهي أمريكا تعلن عن حصول إسرائيل على دعم أمريكي جديد من خلال جسر جوي شمل العتاد والسلاح المطلوب من إسرائيل، وأن هناك أسلحة حماية خفيفة لإسرائيل في الطريق لتُسلم للمواطنين الإسرائيليين بحجة الدفاع عن كل البلدات، إلى جانب فتح أمريكا لمخازنها في إسرائيل من جميع أنواع الأسلحة لتكون بتصرف تل أبيب لاستخدامها في حربها مع حماس. وها هي بريطانيا هي الأخرى ترسل سفناً وطائرات تجسس لدعم إسرائيل في إضافة جديدة من لندن لدعم إسرائيل.
* *
السؤال الأخير: هل نحن أمام تصفية القضية الفلسطينية في مؤامرة دولية مماثلة لوعد (بلفور) ولتلك التي كانت نكبة في عام 1948م.