ناهد الأغا
يلتفت البصر محدقاً بما يلفته من جمال منظر، يسرُّ فؤاده ويذهب به راحلاً إلى عالم بعيد ليس من الخيال، بل بالفكر والثقافة والريادة، فيتولد إلهامٌ فائق في سبر أغوار المعرفة العميقة لكل علم وابتكار وإبداع.
في مساحات من حرم أكاديمي عريق من صروح الوطن الشامخة، حاكى الزمان المكان بأجمل الخطابات، أقيم معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2023 في جامعة الملك سعود العريقة وذات السبق والتميز في جبين المملكة الغراء، فالتقت الفضائل ملتحمة بطيب المناسبة وطيب المكان، في العاصمة العزيزة الرياض واتخذ هذا العام شعار «وجهة ملهمة».
تنتقل بين زواياه زاوية زاوية فتجد أجنحة تحلق بك عالياً في سماء الثقافات والمعارف، كما يُحلق الطائر الحر متفاخراً بعلو وشموخ بين ما تزخر به دور النشر، وتنثره كالورد والأزهار الشجية بين الجنبات، فمن 32 دولة كان لـ 1800 وأكثر من دور للنشر فيها مشاركة فاعلة بما تزخر به من نفائس المؤلفات والكتب والمظان القيمة، تمتد على مساحة شاسعة من أرض المعرض تتجاوز الـ55 ألف متر مربع، وتتوزع بتكاملية رائعة وتناسق بديع على 800 جناح.
أأضيئت شمعة متقدة، وأُيقظت ببريق معتادة عليه، ولائق بها بجهود خلاقة مُقدرة من هيئة الأدب والنشر والترجمة ووزارة الثقافة بإقامة الفعاليات المتنوعة والمتعددة خلال مُدة انعقاد معرض الرياض الدولي للكتاب من 28 أيلول 2023 حتى 7 تشرين أول 2023، فليس للإبداع حدٌّ هنا، أو قيد محدد لا يتجاوزه، فالعقل ينطلق عنانه بعنفوان ويتوجه إلى مقاصد جميلة ضمن مبادرات هادفة وبرامج متنوعة سواء أكانت محلية أم عربية أو عالمية، وفي هذا العام ترحيب كبير بضيف شرف المعرض سلطنة عمان الشقيقة والجارة والصديقة، فالترحيب موصول لها دولة عزيزة وشعباً شقيقاً، متجذرة أواصر الأخوة والصداقة بروابطها التاريخية البعيدة، مشاركين خلال الجناح المُخصص لسلطنة عُمان الشقيقة بالكُتب والمخطوطات النفيسة، مانحين الفرصة السانحة باستعراض الثقافة الوطنية العُمانية، ومُشاركة عدد كبير من رواد الثقافة والموهبة والإبداع، إضافة إلى عرض دور النشر العُمانية إلى أحدث وآخر ما صدر عنها من عناوين متعددة ومتنوعة، فيجري نهر سيال من الثقافة، وعرض للشخصيات العمانية، التي أُدرجت على قائمة (اليونسكو)، وكانوا بالسابق وفجر التاريخ ممن لهم أثر في الحياة الإنسانية من أمثال : الخليل بن أحمد الفراهيدي، والملاح أحمد بن ماجد السعدي، والطبيب ابن عميرة، والفيزيائي ابن الذهبي، والشاعر أبو مسل البهلاني، والشيخ نورالدين السالمي، متلاقياً مع مياه متدفقة من منابع متشعبة، فتجتمع في معين نابض واحد فعلى أرضك الغراء يتلاقى الجميع ويستعرضون ما لديهم ويتبادلون التجارب والمعارف بأروع الصور وأرفعها دون أي منازع.
ومن حُسن الطالع وجميل الأمر أن فعاليات المعرض لا تقتصر وتنحصر في عرض الكُتب والمؤلفات والعناوين من دور النشر، فمؤتمر الناشرين الدولي، الذي يضم نخبة من قادة صناعة النشر والتأليف المحلي والعالمي، فالمسرح وفنونه واستعراضاته نصيب من فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، فعلى مساحات من أرضه، كانت العروض المسرحية المتنوعة السعودية منها والدولية كذلك، فكان الجمهور والزوار على موعد مع أبرز عرض مسرحي لمسرحية «حكاية شاعر»، ولم يغب الشعر ديوان العرب أيضاً بإقامة الأمسيات الشعرية الجميلة للشعر الفصيح والنبطي، وكانت أمسية «رموز في الشعر» مليئة بالقصائد الماتعة والجميلة، وعلى مسرح أبو بكر سالم ظهر نجمٌ شعري للمرة الأولى لشاعرة سعودية شابة «شموخ العقلاء العالية» وتلازم مع هذه الأمسية الشعرية أجواء طربية لأصوات شجية سعودية وعربية، رافقت فيها الألحان الندية الكلمات الساحرة، استمتع فيها الجمهور والمتابعون مع الأداء الرفيع للفنانة العربية أصالة، وسمت الأحاسيس الطربية مع الفنان السعودي راشد الفارس، والمطرب فؤاد عبدالواحد، والفنان عايض يوسف، والفنان ناصر بن نايف وفي فعاليات المعرض إضافات للأسطر الناصعة من صفحته اللامعة، بعقد الندوات الحوارية الثقافية القيمة : «حديث في مشهد الخليج السينمائي» ، و»صناعة العلامة القافية»، و»في استديو الممثل :لقاء مع يعقوب فرحان»، و»اللهجات السعودية..غنى ثقافي وأصالة تاريخية» و»صناعة العلامة الثقافية»، و»حديث في مشهد الخليج الثقافي»، و»العقير :مائة عام على أول ميناء سعودي» ، و»الوقف والمؤسسات الثقافية»، و»هل هجر السعوديون الكتاب؟».
اختتمت فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب الذي شهد له كل من زاره وتجول في أرجائه بنجاحه وتفوقه على غرار السنوات السابقة، وفي نسخة هذا العام تفوق نوعي بأن نال فيه الطفل اهتماماً كبيراً، فخُصصت مسابقة حول الإلقاء الشعري، ذات الأثر الأكبر بإكساب هذه الشريحة الهامة مهارات الكتابة بأنوعها، وتعزيز ثروتهم اللغوية.
ما أجمل المواعيد القيمة، حين ننتظرها في وقتها الموعود، ونترقب الجديد فيها، ونستزيد من استنشاق عبق أريجها الفواح كلما ثارت عبيره مع النسمات الشجية، خالص الأمنيات بدوام التوفيق في المسيرة الحضارية والفكرية لمملكة الخير والعطاء، على أمل اللقاء في العام القادم بأمر الله في تميز وتألق وابداع في التنظيم وجميع الفعاليات.