رقية سليمان الهويريني
في كل ظرف حرب أو خلال أوضاع أزمات سياسية عالمية؛ ألمس حالة من الهلع والرغبة في تخزين السلع عند معظم الأسر الصغيرة أكثر مما تحتاجه عائلة كبيرة، وأقصد بذلك المأكل والملبس الذي يشترك فيه الناس، فالحاجة إلى الطعام وكميته يتساوى فيه جميع البشر، وكذلك اللبس الذي يعني ستر الجسد!
وألاحظ أن الشعور بالملكية الفردية يبدو متضخماً وكأن المرء سيعمر في هذا الكون! وحب التملك بات يتجه لأكثر من الضروريات لدرجة أن أصبح جسد الإنسان ونفسه تنوءان بهذه الملكية! فهو يحتاج لمسكن واسع ليخزن ما يملكه، كما هو الحال حين يكون لديه أكثر من سيارة فإنه يلجأ إلى توفير مساحةٍ أوسع في فناء منزله تكفي لوقوف تلك السيارات لأنه لا يأمن أن يوقفها في الشارع! وتحولت السيارة من وسيلة مواصلات إلى هدف وغاية! والخوف أن تصبح تلك الوسيلة وبلحظة قصيرة سبباً لوفاته في حال حصول حادث!
إن حياة الترف مع الهلع التي تعيشها المجتمعات كافة أمر يبعث إلى التأمل المشوب بالخوف، على الرغم من وسائل الأمن التي يمتلكها المرء، فهو يستخدم الأجهزة الأمنية من كاميرات مراقبة في البيت والشارع، ولديه جهاز الكشف عن الحريق قبل حصوله، وآخر لكشف السرقة، ولكنه في حقيقة الأمر لا يعيش أمناً نفسياً بسبب حياة الترف التي يمارسها، فتراه في هلع وخوف دائمٍ من فقدان هذه الكماليات بسرقتها أو تعرضها لخدش أو كسر فلا يرحب بزيارة أحدٍ لمنزله كي لا يتعرض أثاثه للعبث من الأطفال، وينقطع عن الاجتماع بالناس ليعيش في وحدةٍ مع مقتنياته، مع إمكانية العيش بدونها بهدوءٍ وراحة بال!
وكان آباؤنا وأجدادنا يرددون عند فقدهم ما يملكون: «إذا سلم العود فالحال تعود» ويقصد بالعود الجسد الذي تسكنه الروح والصحة، أما عظامه ولحمه فستعودان كحال الدينا وتقلباتها التي لا يسلم منها أحد!
فهم حينئذ يكتفون بالضروريات دون الكماليات حتى في حال مقدرتهم على اقتنائها، وتسودهم حالة من الأمن النفسي وتسكنهم، وكان أشد ما يخيفهم فقد دينهم وصحتهم وعقولهم فهي رأس المال والاهتمام.