سلمان بن محمد العُمري
يوجد لدينا ولله الحمد أنظمة متعددة وليس نظامٌ واحدٌ يخص الجرائم الإلكترونية تهدف إلى حفظ حقوق الناس وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة التي يصلح بها حال البشر حفظهم لأمور كلية، وهي ما يطلق عليه الكليات الخمس (الدين، النفس، العقل النسل، المال).
ويأتي أهمية وضع الأنظمة الخاصة بالجرائم الإلكترونية بعد التطوُّر الكبير في مجال تقنية المعلومات التقنية والتي أصبحت نعيماً على المجتمعات، ووبالاً على آخرين، بل سبيلاً للإيذاء والإجرام والاعتداء من خلال ما يعرف بالجرائم الإلكترونية الكثيرة والمتعددة، التي تتخذ صفات وأشكالاً متعددة، منها انتحال الشخصية، والاعتداء على المعلومات، والسرقة الإلكترونية، والقذف، والتشهير، وإفشاء الأسرار، والابتزاز وغير ذلك.
وكما يقول أهل القانون:
لا عقوبة إلا بنظام؛ لذا فإن إصدار تشريعات وأنظمة مستمدة من الشريعة الإسلامية ومعلنة للجميع كفيلٌ بحفظ حقوق الناس في أموالهم وأعراضهم ودينهم. ولابد من تعريف الناس جميعاً بقوانين وأنظمة مكافحة الجرائم الإلكترونية، ومعاقبة مرتكبيها، وهذا لايتأتى إلا من خلال المؤسسات المعنية بذلك، وهي الجهات المختصة بعلوم الشريعة والقضاء والجهات الأمنية والإعلامية، والاستعانة بذوي الخبرة من المتخصصين في التقنية والمعلومات لتحديد أبعاد وحدود المشاكل والجرائم؛ حتى يتحقق للناس الأمن في الأعراض والأموال والدين.
ولقد تمادى السفهاء في الاعتداء على حقوق الآخرين بنشر الأخبار المغلوطة والكاذبة والتضليل على الناس في معتقداتهم وأمور حياتهم، وفي إثارة الفتنة بين الدول وشعوبها، وأساء آخرون استعمال التقنية في التطاول على أفراد، وشعوب، وقبائل، ودول، بإثارة النعرات بين الطوائف والقبائل، والتجني على الآخرين، وتزوير الحقائق.
وهناك من أفسد على الناس دينهم ودنياهم بتبني مواقع ضارة بالمجتمع، وتعمد إفساد أخلاق الشباب، وترغيبهم في ارتكاب الجرائم، والتحريض تارة باسم الدين، وتارة باسم الإصلاح، وتارة باسم التغيير.
لقد تعرض أناس وبيوت للأذى نتيجة الأخبار الملفقة والشائعات المغرضة، وهُدمت بيوت، وتضررت مؤسسات وشركات نتيجة لتصرف غير محسوب من فرد أو أفراد.
لذا لابد من العناية والاهتمام بموضوع الجريمة الإلكترونية، ولابد من تفعيل الجانب الوقائي قبل العلاجي من خلال مسألتين مهمتين أولهما تعزيز الرقابة الذاتية في النفوس بالخوف من الله أولاً والحفاظ على حقوق الناس.
وثانياً أهمية نشر الوعي بذلك وتجنب الوقوع في المحظور وتجاوز الأنظمة وتجنب وقوع المخالفات والتعرض للجزاء، ولربما يأتي أحد المتفيقهين بمقولة»حرية التعبير، وحرية تداول المعلومات»؛ فنقول: نعم، إن حرية التعبير من الأمور التي كفلتها الشريعة الإسلامية للفرد والمجتمع، ولكن وفق ضوابط، وهي مؤسسة على مبادئ الشريعة الإسلامية، ومؤطرة بضوابطها وقيودها في ضرورة الدقة، والتثبت في نقل المعلومات، وعدم وقوع الضرر بتداولها، وسن القوانين المنظمة لهذه الجرائم سيعمل على توفير الأمن والاستقرار للأفراد والمجتمعات والدول.
لقد مرّ الفقه الإسلامي عبر أربعة عشر قرناً بأطوار متعددة، انتقل فيها من طور التأصيل إلى طور الاجتهاد مروراً بالتقليد، وعوداً إلى الاستنباط، وفي كل مرحلة خرجت إلى النور مؤلفات تعنى بمستجدات كل عصر، وهذه المستجدات في مسائل التقنية من جرائم إلكترونية أو أحكام العقود والبيوع عبر الإنترنت تحتاج إلى اهتمام كبير من الجهات ذات العلاقة، وفي مقدمتها كليات الشريعة.
أتمنى أن تولي أقسام القضاء والفقه مثل هذه البحوث العناية الكاملة، وأن تخصّص وزارة العدل جزءاً من مشروعاتها الجديدة للقضايا المتعلقة بالجرائم الإلكترونية؛ حتى لاتكون اجتهادات بعض القضاة في غير محلها قوة أو ضعفاً، ويتبقى دور الجهات ذات العلاقة في نشر الأحكام القضائية والعقوبات الصادرة بحق مؤسسات أو أفراد؛ حتى يكون الأمر معلوماً لدى الجميع، وأن هناك عقاباً وجزاءً لمن يتعدى على الآخرين. وصدق المولى- عز وجل- بقوله: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْه رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(18) سورة (ق).