د. خالد بن فهد الغنيم
الرياضة لها أصول عميقة ومتنوعة، وتتراوح من النشاط البدني والترفيه إلى التنافس والتواصل الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، يتم استخدام الرياضة بشكل سياسي لتحقيق أهداف سياسية معينة. ومع ذلك، يمكن القول إن الرياضة بشكل عام ليست «سياسية» بطبيعتها.
قد تحتوي بعض الأحداث الرياضية على رموز ورمزيات سياسية، ولكن هذا لا يعني أن الرياضة نفسها متجذرة في السياسة. فالرياضة في أساسها تكمن في النشاط البدني والمنافسة الرياضية والترفيه، وتعتبر وسيلة للتواصل الثقافي وتعزيز التعاون الدولي. الرياضة قد تسهم في صنع سمعة للدول وتنقل الأيديولوجيا التي تمثلها. عندما تحقق فرق رياضية أو لاعبون انتصارات في المسابقات الدولية، ويسود الدول التي يمثلونها الفخر والاعتزاز بانتصاراتهم، ويمكنهم استخدام هذه الفوز لتعزيز السمعة وتعزيز الصورة الإيجابية في العالم.
تستخدم الدول في بعض الأحيان الرياضة بشكل إستراتيجي كأحد أدوات القوة الناعمة لتنقل قيمها وأيديولوجياتها وزيادة الشهرة والألفة وأيضاً تحسين السمعة ورفع درجة التأثير وبناء العلاقات الدولية المتميزة. قد يشمل ذلك تأسيس أندية رياضية ودعمها المالي والترويج لها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تستضيف الدول الأحداث الرياضية الكبرى مثل الألعاب الأولمبية أو بطولات كأس العالم لتعزيز صورتها وجذب السياح والاستثمارات الجديدة.
أن استخدام الرياضة بشكل سياسي من قبل الدول يجب أن يتم بمرونة وبشكل يحترم قوانين وأخلاقيات الرياضة، ويجب ألا يؤدي إلى التلاعب أو التضليل أو استغلال الرياضيين بطرق غير عادلة. يجب أن تكون الرياضة فعّالة في تواصل القيم الإيجابية للدول دون إثارة الجدل أو إهانة الآخرين.
بإمكان السياسة أن تؤثر على الرياضة وأحداثها وقراراتها. ومن المشاهد المعروفة أن العديد من الدول قد استغلت الرياضة في ترويج أجنداتها السياسية وتعبيرها عن الهوية الوطنية. ولكن ذلك لا يعني أن الرياضة ذاتها تكون سياسية بطبيعتها، يعتبر استخدام الرياضة بشكل سياسي قضية مثيرة للجدل، وأحيانًا يمكن أن يكون له تأثير كبير. ومن الأهمية بمكان الحفاظ على استقلالية ونزاهة الرياضة وعدم السماح بتأثير السياسة في ممارستها.
إن تسييس الرياضة يعبر عن استخدام الأحداث والأنشطة الرياضية لأغراض سياسية، سواء على المستوى الداخلي للدول أو في العلاقات الخارجية. تاريخ تسييس الرياضة يعود إلى العصور القديمة، حيث كانت تستخدم الألعاب الرياضية المنظمة كوسيلة لتمجيد الحكام والأباطرة وتقوية الوحدة الوطنية.
تشهد العديد من الدول في العالم تسييس الرياضة لأغراض سياسية وأيدولوجية، وقد تتنوع هذه الأغراض وفقًا للسياق السياسي والاجتماعي. من الأمثلة التاريخية على تسييس الرياضة:
1. الألعاب الأولمبية في الزمن القديم: في اليونان القديمة، كانت الألعاب الأولمبية تستخدم لتهدئة التوترات السياسية وتحقيق الوفاق بين المدن اليونانية المتناحرة. وكانت تشكل حدثاً رياضياً كبيراً يجمع بين المدن اليونانية المتنافسة. وقد تم استئناف الألعاب الأولمبية القديمة في عام 776 قبل الميلاد واستمرت حتى القرن الرابع الميلادي. وكانت تهدف إلى تهدئة التوترات السياسية وتحقيق الوفاق بين المدن اليونانية إلى مفهوم الهدنة الأولمبية «إيكيا». قبل وأثناء فترة إقامة الألعاب الأولمبية، كان يُعلن عن هدنة فترة زمنية تدعو فيها جميع المدن اليونانية إلى وقف القتال والتعاون خلال هذه الفترة. وكان الهدف من ذلك هو توحيد اليونانيين وتعزيز السلام والتفاهم بينهم. كانت الألعاب الأولمبية تحتفل بها بوليس أوليمبيا، وهي مدينة صغيرة في منطقة بيلوبونيس في اليونان والمعتبرة مهد الألعاب. وعندما تأخذ الألعاب الأبعاد الدولية وتشارك فيها مدن أخرى، فمن الممكن أن تؤدي إلى تقوية العلاقات بين هذه المدن وإبقاء التوترات السياسية في حدودها. وإضافة إلى الهدنة والتفاهم السياسي، كانت الألعاب الأولمبية في اليونان القديمة تعزز الروح الأولمبية والقيم الرياضية كالتنافس النزيه والروح الرياضية الحميدة. وبهذه الطريقة، كانت الألعاب تعمل على تعزيز الوئام والسلام بين المدن اليونانية المشاركة.
2. النازية الألمانية: خلال حكم النازية في ألمانيا في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، استخدمت الرياضة للترويج للأيديولوجية النازية وتحقيق التفوق العنصري بطرق عديدة. ولإيمانهم بأن الرياضة تلعب دوراً مهماً في بناء الهوية الوطنية وتعزيز الروح القومية في مجتمعات وطنية، وبالتالي قرر النازيون الالتفاف حول هذا الجانب واستخدموا الرياضة لأغراضهم السياسية والعنصرية.
وأدت أهمية الرياضة في المجتمع الألماني إلى إعطاء النازيين فرصة لتطبيق مبادئهم العنصرية والتفوق البدني لصالحهم عبر الرياضة. استخدمت حكومة النازيين الرياضة كوسيلة لتعزيز الفكر العنصري والتمييز العنصري من خلال الرياضات التي اعتبروها «ألمانية» مثل رياضات القوة وركوب الخيل والتزلج على الثلج. وأيضًا أُنشئت هياكل رياضية مثل منشآت ملعب الأولمبياد الوطني واعتُبرت رياضة الملاكمة والرياضات الفردية الأخرى وطنية. بالإضافة إلى ذلك، أُجريت الاحتفالات الرياضية والمسابقات الرياضية الداخلية والخارجية بحضور هتلر ونخبة النازيين العليا، وتم استخدام هذه الأحداث للترويج للأيديولوجية النازية واحتفال بالتفوق العنصري الألماني.
نظمت الحكومة النازية ألعاب الأولمبياد الصيفية في برلين عام 1936 بهدف الاستعراض وإظهار ألمانيا تحت حكم النازيين بصورة إيجابية للعالم. تم الاستفادة من هذا الحدث الدولي للتلاعب بالروح الرياضية والترويج للأيديولوجية النازية وتبرز التفوق العنصري. أن استخدام الرياضة في فترة نازية ألمانيا كان يخضع لتوجهاتهم السياسية العنصرية والأيديولوجية، وكان هدفهم هو تعزيز فكرة التفوق العنصري النازي والتحكم في الرأي العام وترويج لأهدافهم وأيديولوجيتهم المنحرفة.
3. سباق التسلح البارد: خلال فترة الحرب الباردة، استخدمت الدولتان الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الرياضة كجزء من الصراع السياسي والتنافس بينهما. تم استخدام الرياضة كدليل على التفوق العالمي والنفوذ السياسي والاقتصادي لكل دولة.
من جانب الولايات المتحدة، اُستخدِمت الرياضة كوسيلة للترويج للقيم الديمقراطية والحرية وإظهار التفوق الأمريكي. وتم استخدام الأداء الرياضي الجيد للرياضيين الأمريكيين كدليل على نظامهم السياسي والاقتصادي الأفضل. قد تم تنظيم الألعاب الأولمبية والمنافسات الرياضية الأخرى في هذا السياق؛ حيث حاولت الولايات المتحدة الظهور كقوة عالمية مهمة في مجال الرياضة.
من جانب الاتحاد السوفيتي، تم استخدام الرياضة لتعزيز النفوذ السياسي والتأثير في منطقة تأثيرها ونشر الأيديولوجية الشيوعية. كان التركيز على النجاح الرياضي وتحقيق السجلات العالمية كدليل على التفوق السوفيتي وفعاليته الاقتصادية والسياسية. تم تعزيز بطولات الدولة وتوجيه الطموح الرياضي نحو تحقيق النجاحات الدولية للتأكيد على السياسات السوفيتية والثقة في النظام الشيوعي.
4. المقاطعات الرياضية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي: استخدمت الدولة الأندية الرياضية والمنتخبات الوطنية كجزء من جهودها في دعم الانتماء الوطني وتعزيز التلاحم الوطني بين الجماهير. تم تأسيس المقاطعات الرياضية في الاتحاد السوفيتي ككيانات رياضية مستقلة في كل جمهورية. تتمثل المقاطعات الرياضية في الأندية والمنتخبات الرياضية الممثلة لكل جمهورية على المستوى الوطني والدولي. وقامت الدولة السوفيتية بدعم الأندية الرياضية وتمويلها بصورة كبيرة، وذلك لتعزيز الهوية الوطنية في كل جمهورية. وقد تم تشجيع المنافسات الرياضية بين المقاطعات الرياضية وبين دول الاتحاد السوفيتي الأخرى لزيادة الفخر الوطني وتعزيز الانتماء الوطني.
كما استخدمت الدولة السوفيتية الألعاب الأولمبية والبطولات الرياضية الدولية الأخرى كوسيلة للترويج للانتماء الوطني والثقة في النظام السوفيتي. وتعتبر الرياضة كجزء من التعبئة الشعبية والتأثير الإيديولوجي بالتأكيد على الوحدة والتلاحم بين الشعب والدولة. كانت المقاطعات الرياضية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي تستخدم لأغراض الدعاية وتعزيز الانتماء الوطني وتمكين الدولة من التحكم في الرياضة والتأثير في العواطف الوطنية.
تعتبر هذه أمثلة قليلة على تاريخ تسييس الرياضة، والتي تستمر في العالم حتى الآن. يجب الإشارة إلى أن تسييس الرياضة يعارض العديد من المبادئ الأخلاقية والقيم الرياضية النزيهة. ولذلك تعمل المنظمات الدولية مثل اللجنة الأولمبية الدولية والاتحادات الرياضية المختلفة على تعزيز استقلالية الرياضة ومكافحة أي محاولات لتسييس. وتهدف هذه المنظمات إلى الحفاظ على متانة المبادئ الأخلاقية والقيم الرياضية النزيهة في الرياضة وتعزيز المنافسة العادلة والمساواة بين الرياضيين.
على صعيد المجتمع الدولي، يوجد توجه عام نحو مكافحة التسييس في الرياضة وتعزيز استقلاليتها. تحظى القضية بالاهتمام والاستجابة في العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية والمحلية، وتعمل هذه المؤسسات على تبني سياسات وإجراءات للحد من التدخل السياسي وتطهير الرياضة من أي تأثيرات مشبوهة وضمان العدالة والنزاهة في المنافسات الرياضية.
على المستوى العالمي، تتمثل جهود مكافحة تسييس الرياضة في تأسيس قوانين وقواعد وإجراءات للتحقق من استقلالية الاتحادات الرياضية ومنع التدخل السياسي. توجد أيضًا منظمات مستقلة تناضل من أجل الحفاظ على قيم النزاهة والأخلاق في الرياضة وتعمل على تعزيز الحكامة الرياضية ومراقبة التطورات غير المرغوب فيها.
إن فلسفة تسييس الرياضة تتعلق بتحويل الرياضة من مجرد نشاط رياضي إلى أداة سياسية، حيث تستخدم لتحقيق أهداف سياسية أو لتعزيز سيطرة الحكومة على المجتمع. بهذه الطريقة، يتم إعطاء الأولوية للأغراض السياسية والتأثير السياسي على حساب المبادئ الرياضية والأخلاقية.
هناك عدد كبير من الدول تدرك أهمية عدم تسيس الرياضة وتحاول تجنبها. وتعتبرها منصة للتواصل وأداة لتعاون بين الدول وصنع علاقات دبلوماسية جيدة والتقارب بين الشعوب، فهي تحظى بشعبية كبيرة وتجاذب الجماهير من مختلف الثقافات والخلفيات. وتحاول هذه الدول المحافظة على استقلالية الرياضة وعدم توجيهها لأغراض سياسية. وتُعتبر الجهات الرياضية الدولية، مثل اللجان الأولمبية والاتحادات الرياضية الدولية، مسؤولة عن حماية استقلالية الرياضة وضمان عدم تأثير العوامل السياسية على المسابقات والقرارات الرياضية. على الرغم من ذلك، تحدث حالات استغلال الرياضة للأغراض السياسية في بعض الأحيان.
ومن امثلة التسييس في المنطقة تبرز دولة إيران والتي تتمتع بتاريخ متواصل ويمكن تتبعها إلى فترة الثورة الإيرانية في عام 1979. بعد الثورة، تم إعادة هيكلة النظام الرياضي في البلاد وتم استخدام الرياضة كأداة لتعزيز الثقافة الإسلامية المذهبية والقيم الدينية وتعزيز هوية إيران الإسلامية.
إن النظام الرياضي الإيراني تأثر بشكل كبير بالتوجهات السياسية والدينية. وتم تشكيل اللجان الإسلامية في الأندية والاتحادات الرياضية لممارسة المراقبة والتأثير على الفعاليات الرياضية واللاعبين والمدربين.
هذا النهج قد أثر على الرياضة في إيران، حيث أصبحت الرياضة ذات طابع سياسي وديني وتستخدم لتعزيز هوية إيران الإسلامية ودعم السلطة الحاكمة. ويعاني قطاع الرياضة في إيران من نقص الاستقلالية وتدخل الحكومة والقيود الدينية، وهذا يؤثر سلباً على التنافسية والنزاهة في الرياضة في البلاد.
أن هذا التصور ليس مطلقًا وأن هناك تعددية وتنوعًا في الرؤى والتجارب بشأن تسييس الرياضة في إيران. يمكن أن يتأثر النهج في تسيس الرياضة بالتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تحدث في البلاد. على سبيل المثال، يمكن أن يتم تفسير استخدام الرياضة كأداة سياسية في إيران على أنها جزء من الجهود للحفاظ على الهوية الثقافية والدينية في ظل التحديات الثقافية العالمية. من جانب آخر، يمكن أن يعتبر تسييس الرياضة في إيران قمعًا للحرية الرياضية وتدخلًا غير مرغوب فيه في الشأن الرياضي وأيضاً أداة لاختبار القوة والتأثير في العلاقات الدولية. إن الآراء حول هذه القضية قد تختلف من فرد إلى آخر. بعض الأفراد قد يرون تسييس الرياضة بوصفه مشروعًا للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز القيم الدينية، في حين أن آخرين قد يرونه تدخلاً سلبيًا في الحرية الرياضية والطابع الرياضي للأنشطة الرياضية.
يتضمن تسييس الرياضة ضد السعودية في إيران مشاهدات عديدة وخاصة من خلال مباريات كرة القدم في المنافسات الآسيوية والدولية ومن أبرز وأحدث الأمثلة على تسييس إيران للرياضة ما ظهر في ملعب المباراة التي لم تقم وكان طرفها نادي الاتحاد من خلال وضع تماثيل تمثل التدخلات السياسية والخلافات لعقود من الزمن. وكثيراً ما استخدمت الحكومة الإيرانية مباريات كرة القدم لتعزيز المشاعر القومية وحشد الدعم لسياساتها. وتصبح الحشود الغفيرة التي تحضر هذه المباريات جمهوراً أسيراً للدعاية السياسية، حيث تُرفع الشعارات واللافتات في جميع أنحاء الملاعب.
إن تسييس الرياضة يعرض جوهر اللعب النظيف للخطر ويقوض مبدأ الحياد في المسابقات الرياضية الدولية. وينبغي الاحتفاء بالرياضيين لمهاراتهم وتفانيهم وعملهم الجماعي، بدلاً من استخدامهم كأدوات لتعزيز أجندات سياسية. عندما تتسلل الدعاية السياسية إلى الرياضة، فإنها تقلل من نزاهة اللعبة وتبتعد عن القيم التي تحكم الأحداث الرياضية الدولية.
وينبغي أن تكون الرياضة بمثابة منصة لتعزيز التفاهم وتعزيز الصداقة الحميمة وسد الفجوات بين الأمم وبذل الجهود لتهدئة التوترات واستعادة الروح الرياضية في المسابقات الرياضية. وينبغي للهيئات الرياضية الدولية التدخل لمنع تسييس الرياضة وضمان الالتزام الصارم بمبادئ الحياد واللعب النظيف في جميع المسابقات الدولية. ومن خلال القيام بذلك، يمكن الحفاظ على الجوهر الحقيقي للروح الرياضية، ويمكن تحقيق إمكانية أن تكون الرياضة بمثابة قوة موحدة في المنطقة.