رقية نبيل
نظرة في كلاسيكيات ديزني .. لا زلت أستغرب حتى الآن المقدرة الفائقة لدى ديزني في ليّ وتحريف القصص بمهارة فائقة، ولا أقول هذا مديحًا، فهم ودون أن ندري - برغم أن المعلومات متوفرة للجميع لكن أحدًا لن يكلف نفسه عناء نبش الجذور الحقيقية لكل قصة -، هم يحولون القصة لما يخدم مصالحهم، يحولونها لقصة كارتونية عن الشجاعة والإقدام واتباع القلب البريء والذي يرشد دومًا للصواب ألا وهو الحب في أغلب الأمر. لنأخذ على سبيل المثال بوكاهنتاس التي صورت في الفيلم الكارتوني كابنة لزعيم قبيلة من الهنود الحمر، باسلة وشجاعة وتأبى إلا أن تتمسك بتراث عائلتها العريق، رافضة كل ما يعرض أمامها من سبل الحضارة، كما يتبين في الجزء الثاني، حيث تخلع عنها فساتين لندن المبهرجة وتمسح عن وجهها مساحيق التجميل الباهظة وتعود لثوب المرأة الهندية الأصيلة وتعاود ارتداء عقد أمها، وإن في المقارنة بين ما صوروه وبين الحقيقة المجردة لأمرًا يدعو للرثاء, فما بوكاهنتس إلا طفلة مسكينة انتزعها الإنجليز من أهلها فاعتنقت المسيحية وتزوجت مزارع تبغ من بينهم، وأنجبت له طفلًا وقدمت للعالم على أنها مثال «للهمجية المتمدنة»، ثم ماتت المسكينة وهي لما تجاوز عامها الثاني والعشرين، أي أن سبب شهرتها الوحيد هو الاستخدام الذي استخدمها الإنجليز له، كم نحن رائعون ومتحضرون وهم غير ذلك، وهذه الابنة البارة هنا هي الدليل الحي على ذلك, مثال آخر هو أحدب نوتردام وإسميرالندا وكوازيمودو الأحدب المشوه المعذب بحبه، شاهدت الفيلم أولًا بالطبع وكنت لتوي طفلة، وفيه رأيت إسميرالندا امرأة تبدو لسبب لا أفهمه كبيرة في السن عكس أميرات ديزني الأخريات، وهي كالمعتاد شديدة الشجاعة وتحارب لدعم نضال قومها الغجر ولا تخاف من بشاعة منظر كوازيمودو بل تمسه دون تردد وتخبره أن العالم ليس بالقبح الذي يتخيله وكوازيمودو في نهاية الفيلم يتقبله الناس ويقدم محبوبته لفارسها الشجاع مباركًا علاقة الحب التي جمعت بينهما، ثم أخيرًا وبعد سنوات قرأت رواية أحدب نوتردام الأصلية لفيكتور هوجو والذي كان مغرقًا في الكآبة والبؤس لسبب لا أعرفه فهو من كتب البؤساء كما نعلم. وبالطبع أذهلني الفارق الرهيب بين الرواية والفيلم. في الرواية ليست إسميرالندا سوى فتاة صغيرة لا تتجاوز السادسة عشرة من عمرها وهي لم تكترث لحظة للغجر أو غيرهم بل ما لم تعلمه أنها لم تكن تنتمي إليهم فقد سرقها الغجر من أمها الفرنسيةهي بعدُ رضيعة وقد عثرت عليها أخيرًا لكن وأيادي الجلادين تدق صومعتها ولقت حتفها دون أن تحميها، إسميرالندا التي لم تكترث سوى بحبها الوحيد الفارس المقدام فوبوس والذي حطم قلبها بعدما أعجبته للحظات ثم تركها ليذهب لمن هي تماثله حسبًا ونسبًا، ونادته في أحلك لحظات خوفها وضياعها، نادت تستنجد به فلم يسمعها وكانت صيحتها تلك سببًا في موتها وموت المرأة التي هي أمها، إسميرالندا التي كانت ترتعد خوفًا من مظهر كوازيمودو وبرغم ذلك لم يخفِ المسكين حبه عنها وظل يحوم حولها يحميها ويهيم على وجهه كالمجنون يبحث عنها حتى رآها تشنق على يد حراس الكاهن وتتشنج وترتعد رعدتها الأخيرة، ولبث الأحدب المتوجع بجوارها حتى مات معها وذابت عظامهما إلى تراب في آخر الرواية، هيكلان يضم أحدهما الآخر «وحين حاول البعض فصل الهيكل الذي كان يضم الهيكل الآخر .. سقط غبارًا منثورًا». وكذلك التباين الرهيب في شخصية الكاهن الشرير في الفيلم كانت إسميرالندا له شهوة رغب أن يسحقها كما رغب أن يسحق كل قومها ولم تكن ثمة فضيلة واحدة فيه، بينما في الرواية كان للكاهن فضائل كثيرة منها أخوه الذي أحبه وخذله، كما أن حبه للغجرية الصغيرة كان صادقًا واكتوى بنار هذا الحب لأنه لم يستطع أن يرتبط بغجرية لقيطة فقرر السعي وراءها وقتلها على غرار مبدأ الثلاثة رجال الذين عشقوا امرأة واحدة فلما علموا استحالة أن تكون من نصيب أي منهم رموها بالسحر وأحرقوها حية, وفي «علاء الدين» تحكي أغنية البداية باللغة الأصلية للفيلم عن بلاد فضاء حارقة صحراء وتقول «هذا وحشي، لكن هاي .. إنه الوطن». وتظهر عدة مشاهد مسيئة للدين في الفيلم ليس أولها تصوير السلطان فاحش الغنى بينما يقتات شعبه من صناديق القمامة، وليس آخرها مشهد محاولات الحراس لقطع يد «ياسمين» التي أخذت تفاحة وأهدتها لطفل فقير عطفت عليه دون أن تدفع ثمنها. ويصوَّرُ السلطان في الفيلم قصيرًا، متخمًا بالسمنة، ساذجًا وفيه شيء من البله، ولا همّ له سوى ابنته وألعابه الخزفية، بينما في الحقيقة لا يوجد دور للسلطان في القصة، علاء الدين من المفترض أنها إحدى حكايات كتاب ألف ليلة وليلة بيد أنه لا وجود للقصة إلا في النسخة الفرنسية المترجمة من قبل المستشرق الفرنسي أنطوان جالان، وتحكي الحكاية عن علاء الدين الشاب الصادق الخلوق العطوف والذي يقنعه ساحرٌ من المغرب بأنه عمه ويخدعه ليستخرج له مصباحًا سحريًّا من كهف العجائب، وكمادعه جعفر في الفيلم كذلك يفعل عمه وينتهي الأمر بعلاء الدين محبوسًا في الكهف بعد انهياره، وهنا فارق بسيط بين الفيلم والقصة الأصلية حيث في الفيلم يوجد جني واحد يخرج لعلاء الدين بعد أن يفرك المصباح السحري عن غير قصد، بينما في القصة يملك علاء الدين خاتمًا سحريًّا يفركه ليخرج له جني وهو من يرشده لطريقة خروج جني المصباح والذي يكون أقوى بكثير من جني الخاتم، ويملك علاء الدين سلطة كاملة عليه وليست أمنيات ثلاثًا فقط، وتدور أحداث القصة ويغتني علاء الدين ويتزوج ابنة السلطان بدر البدور لا ياسمين، ويسرق ساحر المغرب منه المصباح لكنه يقتله آخرًا بمساعدة من جني الخاتم ويرث السلطة بعد موت والد زوجته وينتهي الحال بالجميع سعداء.