أ.د.عثمان بن صالح العامر
تشرفت بدعوة كريمة من فرع هيئة الصحفيين السعوديين بمنطقة حائل للمشاركة في الندوة التي أقيمت احتفاء بيومنا الوطني الثالث والتسعين (أبعاد ودلالات اليوم الوطني السعودي)، وكان محور حديثي الذي خصصه لي مدير الندوة الزميل العزيز سعادة الأستاذ: عقيل العنزي، (رحلة مختصرة في ذاكرة التعليم من الكتاتيب إلى الاصطناعي)، وحتى يكون العنوان أكثر خصوصية، وأدل على هويتنا التعليمية، أرتئيت أن تكون البداية من مشروع جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (توطين البادية) وصولاً إلى التوطين الذي نعيشه اليوم (توطين التقنية).
لقد كانت الجزيرة عند دخول الملك - المؤسس الباني لهذا الكيان العزيز - الرياض عام 1319هـ يخيم على ربوعها الجهل ويستشري الفقر وينتشر المرض وتفتك بها الصراعات، وكان الهدف الأساس له -رحمه الله- (أن نوحد النفوس، والأفكار...) ولإيمانه المطلق بأن التعليم ورفع غطاء الجهل الثقيل الذي ران على العقول هو السبيل الوحيد لتأليف القلوب وصفاء النفوس واستنارة الأفكار، فضلاً عن أنه المكون الرئيس لرأس المال البشري الذي سينهض بالدولة في عهدها الجديد، والعمود الفقري لتحقيق التنمية في هذا الجزء من العالم التي بها -بعد الله- يمكن مواجهة الثالوث المدمر (الجهل والفقر والخوف)، فكان مشروع (توطين البادية) الذي يعد بحق نقلة نوعية في التفكير الإستراتيجي والتخصيط المستقبلي للوطن.
لقد اختار -رحمه الله- لمشروع التوطين هذا الأماكن المناسبة للإقامة الدائمة فكان يوطن في الأرض القريبة من آبار المياه، ويبعث لمن استقر بهم المقام في مكان ما معلماً خاصاً لهم، فضلاً عن إرسال العلماء والدعاة الذين يتنقلون بين هذه الهجر والقرى يعلمون الناس الخير. ومن هذا المشروع الرائد وعلى خطاه فتحت المدارس وتغير وجه التنمية وشاع الوعي ورفع الجهل واحتفلنا بمحو الأمية الناجمة عن عدم القراءة والكتابة.
وما أشبه الليلة بالبارحة فها هي الأمية التقنية بعد أن أطلت برأسها مع مطلع القرن الحادي والعشرين ينبري قادة بلادنا -حفظهم الله- لمحو هذه الأمية الجديدة من خلال توطين التقنية في ميداننا التربوي، حتى صرنا في سنوات معدودة أنموذجاً يحتذى في التدريس من خلال منصات مخصصة للتعليم عن بعد سواء في تعليمنا العام أو العالي الحكومي والخاص، وهذه نقلة نوعية رائدة تحدث عنها العالم أجمع خاصة إبان جائحة كورونا (كوفيد - 19). وفتحت للتعليم السعودي آفاقاً جديدة، وهذا ليس بغريب في وطن العز المملكة العربية السعودية الذي تحرص قيادته على المنافسة في مضمار التنمية والتقديم والتطوير في جميع المجالات وعلى كل الأصعدة وعلى رأسها ومن أهمها ميدان التعليم. ودمت عزيزاً يا وطني والسلام.