أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لقد حدَّدتُ اهتمامي بالشِّعر العامي باستقرارِ الأحوال في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- إلا ما كان استشهاداً على أنَّ حَصْرَ الشعر العامي غيرُ متعذر؛ وأما عُسْرُ ذلك: فإنَّه يتلاشى إذا تضافرتْ الجهود على جمعه مُمَحَّصاً؛ وبعد صدور الأسفارِِ الخمسة الأولى من كتابي (ديوانُ الشعرِ العاميِّ): ظهرتْ أسفارٌ كثيرة لِغَيْري فيها إضافةٌ كثيرةٌ بلا ريب؛ وإنما يَعِيْبُها أنَّ مؤلفيها شِبْهُ عوامٍّ، وأنهم جميعَهم لا يُوَثِّقُونَ الشعرِ بالروايةِ، أو الإحالة إلى مصدر مطبوع؛ وبعضٌ منهم نقل من كُتُبِي وبروايَتِي في كتابي (ديوانُ الشعرِ العامي)، وكتابي (آل الجربا)، وكتابي (العجمان)، وكتابي (أنسابُ الأسر الحاكمة في الأحساء).. وبعضهم أحالَ إليَّ تارة، وأخذَ عَنِّي ولم يُحِلْ إليَّ تارةً أُخْرى؛ وهناك مصادر لم أطلع عليها بعدُ، ولا أزال أبحث عنها ككتاب (ديوانُ وسط جزيرة العرب) لِـ (سُوسين)؛ وقد أحالَ إليه الدكتور (العثيمين) في معرض ردوده على الشيخ (ابن خميس) رحمنا الله سبحانه وتعالى وإياهما جميعاً حول (العرضات النجدية)، وذكر أنه طُبِعَ عام 1900 ميلادياً.. انظر جريدة الجزيرة عدد 3956 تاريخ 19-10-1403 هجرياً.. واستجدَّ عندي ضميمةٌ جمعها المستشرق الفرنسي (مونتاني)؛ وهي مجموعة قصص بدوية، وأشعار عامية ترجم عنوانها بأنه (قِصَصٌ شعريةٌ بدويةٌ من قبائل شمَّر بالجزيرة)؛ يريد جزيرة العراق، ونشر هذا المجموع باللغة الفرنسية في الجزء الخامس من نشرة (الدراساتُ الشرقية الصادرةُ عن المعهد الفرنسي بدمشق عام 1935 ميلادياً)، وطُبِعَ بمطبعة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة سنة 1936 ميلادياً .
قال أبو عبدالرحمن: وتوقعتُ منْ هذا المجموع فائدةً؛ فَصُوِّر لي بعنايةٍ الزميل الأستاذ (محمد حسين المِسْكِي) المستشار القانوني بوزارة الشؤون البلدية والقروية بالرياض سابقاً يوم كنْتُ (مديرُ الإدارة القانونية)؛ ثم ترجمتْه الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون؛ ليكون في برنامج مطبوعاتها؛ وقد ترجمتْه (فوزية محمد السعيد) بمراجعة الدكتور (حمادة إبراهيم)؛ وبمراجعتي نُسْخَةً من هذه الترجمة: وجدتها بحاجة إلى مراجعة متخصِّص في مادة الكتاب، وقد أَطْلَعْتُ أخي الأستاذ (ناصر العليوي) على هذه النسخة؛ فأبدى بعضَ الملاحظات والتعليقاتٍ، ومن ثم اِطْمأْنَنْتُ إلى جعل هذه النسخة مادةً لتعريفي بالمَجموعِ ودراستِه.. وذكر (مونتاني) في مقدمته: أنه أخذ مادة مجموعه من جماعتين بدويتين صغيرتين من رعاة الإبل من قبيلة شمر: إحداهما من (عبده)، وأخراهما من (الخرصة)؛ وأشارَ إلى أنَّ القبيلتين تعيشان وقت لقائِه بهما بين الحدود السورية والعراقية عند سفوح جبال كردستان، وذلك سعياً وراء المراعي والكلإِ، وراوي المجموعة الأولى (هليل العلوان) من عبده، وعمره حول خمسين سنة، وذكر أنَّ هذه الجماعة من عبده نزحتْ منذ ثلاثة أجيال أو أربعة من وسط الجزيرة العربية، وذكر أنَّ هذا الأدب العامي هو أدب شبه الجزيرة العربية إلا أنه تأثر قليلاً من الاحتكاك بقبائل (الشَّوَّايا) التي تعيش في أراضي دجلة والفرات؛ وراوي المجموعة الثانية (محمد الخشان) من الخرصة، وقد ناهز خمسين عاماً أيضاً؛ وذكر صداقةَ الخرصة لآل الجربا في الجزيرة، وذكر أنَّ قصص (هليل) رواها له أيضاً شاعر الخرصة، وأنه أضاف إلى المجموعتين قصصاً رواها عن قبيلة طيىءٍ التي تأثرت لغتها وعاداتها بسكان الحضر منذ عدة قرون.. ثم حصلتُ على كل النُّسَخِ من الشعر العامِيِّ عن العرب وعن المستشرقين؛ وبدأتُ بتصْمِيمٍ على التحقيق.
قال أبو عبدالرحمن: واستجدَّ عندي صورة من كتاب (لبابُ الأفكارِ) للشيخ (محمد بن يحيى) -رحمه الله تعالى، وقد طالما حُجِبَ عنْ الهواةْ؛ فيسر الله له أحد الفضلاء؛ فصوره وأشاعه؛ وكان الشيخ (فالح بن ثاني) -رحمه الله تعالى- اِشْترى نسختَه الخطية منذ سنوات؛ وأهداه لشيخي (عبدالله ابن خميس) -رحمه الله تعالى- بعد مدة.. واستجدَّ عندي صورة مجموعة جمعها مستشرقٌ، وحفظتْ بمكتبة ألمانية وأرمز لها بالمجموعة الألمانية.. وسبق لي بكتابي (ديوانُ الشعر العامي بلهجة أهل نجد) التعريفُ بمجموع الدخيل والكرملي، وقد استعرضتُ في مقدمة السفر الأول أسماء من حُفِظ لهم شعر من أقدم شعراء العامية بلهجة أهل نجد، وذكرتُ خلال ذلك الْعَرضِ الشاعرَ (عامراً السمين) من شعراء القرن العاشر، وذكرتُ قصيدته اللامية في مدح (غصيب بن زامل) أحد ملوك آل جبر، وذكرتُ قصيدتَه اللاميةَ الثانية في مدح (بركاتُ الشريفُ)، وقلتُ: إنَّ معاصره (أمير الحجاز)، وليس هو (بَرَكاتِ) الشاعر.. انظر السفر الأول من كتابي ص66-67، وكتابي (أنسابُ الأسر الحاكمة في الأحساء) 1/219-227 .. وأما البيت المذكور ص216 فليس من شعر السمين ؛ وإنما نسبتُه إليه سهواً: وانظر السفر الأول من كتابي (ديوان الشعر العامي) قبل أن يصدر تحت عنوان (المجموعة الكاملة) ص73؛ وهاتان القصيدتان هما كل ما وعاهُ جُمَّاع الشعر العامي العدوَّنِ نقلاً عن كتابِ (خيارُ ما يلتقط).. وقد استجدَّ العلم بقصائد له أخرى ذكرها (ابن دخيل) في مجموعِه؛ فَأَوَّلُ قصيدةٍ قصيدتَه البائية التي مطلعها:
نيل العلا ملتقاك الهول والنقا
وعن مصاحبة العزم الحشوم أبى
وفي القصيدة تحريفٌ؛ ويظهر لي أنَّ آخِر الشطر الأول: (والنُّكبا) بضم النون؛ بمعنى النَّكَبات؛ وذلك لأجل التصريع؛ ولأجل إقامة الوزن على البسيط؛ والشطر الثاني مستقيم غير محقق المعنى مما يدل على التحريف، وفيها تخلَّصَ إلى المدح فقال:
(.... عامر قيدوم محفلها)، وإلى لقاء قريب إن شاء الله، والله المستعان.
** **
كتبه لكم/ أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) -عفا الله عَنِّي، و عنهم، وعن جميع إخواني المسلمين-