عبدالوهاب الفايز
تابعت المملكة عن كثب تطورات الأوضاع غير المسبوقة بين عددٍ من الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال، والبيان الصادر عن وزارة الخارجية، تعليقاً على الأحداث الجارية في فلسطين المحتلة، ووقفت عند الأمور التي ظلت المملكة ومنذ سنوات بعيدة تحذر منها، وهي ضرورة اللجوء إلى الحلول السلمية التي تضمن الحقوق الفلسطينية المشروعة في الأراضي الفلسطينية.
وجاء في بيان الخارجية: (تذكّر المملكة بتحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته»، في إشارة لاقتحامات إسرائيلية متكررة للمسجد الأقصى خلال الأيام الأخيرة. وأردف البيان: «تجدد المملكة دعوة المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤوليته وتفعيل عملية سلمية ذات مصداقية تفضي إلى حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) بما يحقق الأمن والسلم في المنطقة ويحمي المدنيين».
حلُّ الدولتين هو الذي ظل المجتمع الدولي يتطلع إليه منذ سنوات بعيدة، والمملكة كانت في مقدمة الدول العربية التي ظلت تقدم مشاريع عادلة للسلام والاستقرار والتنمية في المنطقة، ولكن إسرائيل صعّبت الظروف أمام كل هذه المشاريع. والأسوأ أن الجماعات اليهودية العنصرية المتطرفة هي التي أصبحت مهيمنة على الساحة السياسية الإسرائيلية، وهذا أحرج أصدقاء إسرائيل بالذات الأحزاب الليبرالية في العالم، وأحرجت حتى المفكرين والإعلاميين اليهود، فالممارسات العنصرية على الواقع أصبحت مشاهدة في كل زاوية من العالم، ولم يعد بإمكان المكينة الإعلامية الغربية التستر على الأوضاع في فلسطين، بالذات بعد أن أقرت الأمم المتحدة أن إسرائيل أصبحت دولة تمارس الفصل العنصري كما كانت جنوب إفريقيا.
مهما كانت الأسباب التي دفعت الفصائل الفلسطينية وبهذا التوقيت لإطلاق عملياتها العسكرية ضد جنود الاحتلال ومستوطناته، فالأوضاع في فلسطين لم تكن بعيدة عن الانفجار في أية لحظة، فالممارسات السياسية والعسكرية الاستفزازية للمتطرفين اليهود الذين يشكلون التحالف الأساسي لحكومة ناتنياهو الحالية، فرضوا أجندتهم السياسية والعسكرية المتطرفة، ووزراء في الحكومة الحالية صرحوا بضرورة إبادة الفلسطينيين وترحيلهم.
والأحداث المتجددة رغم قساوتها على إسرائيل التي لم تشهد قتلى وجرحى ومخطوفين كما يحدث الآن، هذه لم تمنع أصدقاء إسرائيل من انتقادها وتحميلها مسؤولية تهيئة الظروف المناسبة لانفجار الأوضاع. في لقاء مع مارتن اندك، أجرته مجلة (فورن أفيرز) الأمريكية المتخصصة ومنبر منظري ومفكري السياسية الخارجية الأميركية، تحدث هذا السياسي والدبلوماسي الأمريكي بما يوضح خطورة استمرار إسرائيل في سياسة الاستيطان والابتعاد عن مشاريع السلام.
في سؤال من المجلة حول تزامن الأوضاع الحالية مع مرور 50 عاماً، تقريباً حتى اليوم، بعد الهجوم العربي المفاجئ على إسرائيل الذي أطلق حرب يوم الغفران عام 1973. يجيب انديك قائلاً: (إنه رائع - وليس من قبيل المصادفة. دعونا نتذكر أنه بالنسبة للعرب، كان ينظر إلى حرب يوم الغفران على أنها انتصار. نجحت مصر وسوريا في أخذ الجيش الإسرائيلي على حين غرة، ونجحت في عبور قناة السويس والتقدم على مرتفعات الجولان، إلى الحد الذي اعتقد فيه العديد من الإسرائيليين أن إسرائيل قد انتهت. وهكذا على الرغم من أن إسرائيل قد انتصرت في النهاية في تلك الحرب، إلا أنه لا يزال يحتفل بانتصار الأيام الأولى في العالم العربي. لذلك لكي تظهر حماس، بعد 50 عاماً، أنها تستطيع أن تفعل الشيء نفسه. في عام 1973، ذهب [الرئيس المصري] أنور السادات إلى الحرب مع إسرائيل من أجل صنع السلام مع إسرائيل. شنت حماس حرباً لتدمير إسرائيل - أو لبذل قصارى جهدها لإضعافها، لإنزالها. حماس ليس لديها أي مصلحة في صنع السلام مع إسرائيل).
يواصل: (كانت الغطرسة هي التي دفعت الإسرائيليين إلى الاعتقاد، في عام 1973، بأنهم لا يهزمون، وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، وأنهم لم يعودوا بحاجة إلى الاهتمام بالمخاوف المصرية والسورية لأنهم كانوا أقوياء جداً. تجلت نفس الغطرسة مرة أخرى في السنوات الأخيرة، حتى عندما أخبر الكثير من الناس الإسرائيليين أن الوضع مع الفلسطينيين لا يمكن تحمله. اعتقدوا أن المشكلة تحت السيطرة. ولكن الآن تم تفجير جميع افتراضاتهم، تماماً كما كانت في عام 1973. وسيتعين عليهم التصالح مع ذلك).
جدعون ليفي في مقال نشرته الأحد صحيفة هارتس الإسرائيلية قال: (منذ 1948 وإسرائيل تعاقب غزة.. أمس رأت إسرائيل صوراً لم تتوقعها في حياتها، بسبب غطرستها وراء كل ما حصل، الغطرسة الإسرائيلية. فكرنا أنه مسموح لنا أن نفعل أي شيء، وأننا لن ندفع ثمناً ولن نعاقب على ذلك أبداً. نواصل دون تشويش. نعتقل، نقتل، نسيء معاملة، نسلب، نحمي مستوطِني المذابح، نزور قبر يوسف، وقبر عثنيئيل، ومذبح يشوع، وكلها في الأراضي الفلسطينية، وبالطبع نزور جبل الهيكل - أكثر من 5000 يهودي في العرش -، نطلق النارعلى الأبرياء، نقتلع عيونهم ونهشّم الوجوه، نرحّلهم، نصادر أراضيهم وننهبهم، ونخطفهم من أسرّتهم، ونقوم بتطهير عرقي، أيضاً نواصل الحصار غير المعقول على غزة، وكل شيء سيكون على ما يرام).
هذا ما يقوله أصدقاء إسرائيل ومواطنوها، ويضاف إليها المصالح المختلفة في الشرق الأوسط، فهذه مع الأسف لن تشجع على السلام العادل، فالمنطقة محفوفة بالمخاطر ومسكونة بالصراعات المتعدية، بالذات المواقف الإسرائيلية التي تصعّب السلام. لقد اتضحت المواقف اليهودية المتشددة من خلال اغتيال إسحاق رابين الذي سعى إلى مشروع السلام مع الفلسطينيين والأردن، والصهيونية العالمية لا يهمها السلام، وأيضاً الإنجيلية المسيحية يهمها بقاء إسرائيل واجتماع اليهود انتظاراً لعودة المسيح. وحتى أمريكا تحتاج إسرائيل كقاعدة انطلاق وهيمنة في المنطقة. ما أبعدنا عن السلام في ظل استمرار ونمو التطرف العنصري اليهودي في إسرائيل.