د. إبراهيم بن جلال فضلون
لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي فقد السيطرة على تدفق المعلومات الإعلامية، فمن خلال الدراسات في العقود الماضية، أنه طغت السيطرة الإسرائيلية الإعلامية، وذلك أولا عبر تدفق الأخبار وكل ما يتعلق بالناطقين بلسان الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ممارسة الرقابة العامة والعسكرية كل ذلك كان يمنع الطرف الفلسطيني من الإدلاء بأخباره وبالمعلومات التي تخصهُ، حتى خان الذكاء الاصطناعي الذي استخدمته إسرائيل مؤخراً في عملياتها وخطتها العسكرية ليتفوق العقل البشري الفلسطيني على العقل الاصطناعي، بحضور دور هذا العصب التكنولوجي في عصر وسائل الإعلام المجتمعي، وبالتالي نرى أن الطرف الفلسطيني قلب المعادلة على رأسها، وأصبح ليس فقط هو المبادر العسكري، وإنما أصبح يستعمل وسائل الإعلام بشكل فوري أو مباشر، وينقل كل الأحداث مُغذياً الإعلام العالمي بما يُريدهُ هو، ويحقق نجاحات في الرأي العام العالمي، هذا بالتأكيد من الناحية الإعلامية.
وما يحصل الآن لهم انقلاب للواقع لصالح الطرف الفلسطيني بشكل شبه كامل لتفرض هذه العملية واقعاً جديداً في علاقات الفلسطينيين مع محيطهم العربي، والمجتمع الدولي وكأن هناك غرفة عمليات سرية كانت تُعقد بشكل دائم وبتنسيق مستمر مع كل فصائل المقاومة الفلسطينية، وحتى من حيث الكم والنوع، فحركة حماس هي الأولى عسكريا في قطاع غزة تليها حركة الجهاد الإسلامي، وبعدها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثم الفصائل الأخرى ولكن عندما نشاهد مشهدا من هذا النوع أعتقد أنه لم ير العالم بأسره حركة عسكرية أو عملية عسكرية منذ نكبة فلسطين في عام 48 يتم فيها التوغل إلى ما احتل في فلسطين عام 48 أو 67 أو إذا ما أسميناه غرب فلسطين - ولا تهم هنا المسميات كثيراً - ولكن نرى ان هو هذا تاريخيًا مؤكداً وإحصائيًا هذه أول عملية عسكرية تقوم بها فصائل فلسطينية منذ نكبة 48 وتوقع فيها وجود أسرى إسرائيليين، وقتلى بالمئات، وهذه صدمة ليست فقط عسكرية للطرف الإسرائيلي، ولكن صدمة نفسية (سيكولوجيك التروما) حتى ان الشارع العربي بأكمله والعالم بأسره متفاجئ وبالتأكيد الشعب الفلسطيني من جهتهم إيجابا لما يحصل لأنهم لم يصدقوا أن هذه الدقيقة (أتت).
لعل كلمة (المفاجأة) تكررت أكثر من مرة على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين في وصف هذه العملية الفلسطينية، لتكون ترجمة مؤثرة ومربكة لما تعيشه إسرائيل في هذه اللحظات وكأن قبل 7-10-2023م شيء وما بعد 7 أكتوبر 23 شيء آخر، فقد أوجدت الكلمة تغييرا تكتيكيا كاملا بلغة الاستراتيجيين أو بلغة أهل العسكرية في النهج المقاوم تجاه العمليات أو عبر تنفيذ العمليات التي تستهدف مناطق السيطرة الإسرائيلية، ورأينا عبر وسائل إعلام عربية وإسرائيلية قبل وسائل إعلام عالمية التأكيد على أن الهجوم الذي قامت به عناصر المقاومة الفلسطينية اختلفت أشكاله من أدوات الهجوم والمفاجأة (بريا - بحريا - ومخترقاً القبة الحديدة جوياً بطائرة شراعية) في وقت تمتلك قوات الاحتلال الإسرائيلية ترسانات عسكرية وحربية (متلتلة)، كانت تهرب بها خوفاً من وقوعها بيد العناصر الفلسطينية، وقد وقع منها بالفعل، وهو ما يكشف أن هناك تدريبا جيدا تم لهذا الهجوم المنوع بل إن هناك محاكاة لاختيار يوم السبت لهذا الهجوم محاكاة لما أحدثته أو ما فعلته القوات المصرية في حرب 6 أكتوبر عام 73.
هذا التغير التكتيكي، أو هذا التحول الفارق في نوعية النشاط اتجاه الاحتلال الإسرائيلي يكشف أن الخطوات المقبلة ربما يكون فيها نوع من أنواع الضغط الشديد لأول مرة ما بين الفلسطينيين وبين قوات الاحتلال، وهناك تحول واضح ولافت جدا في نتائج هذه الهجمات التي قامت بها العناصر الفلسطينية بأسر عدد كبير من جنود الاحتلال لأنه سيكون الورقة الرابحة للفصائل الفلسطينية حال أي رد فعلي إسرائيلي في أي مناطق التواجد الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، ومن المؤكد أن صانع القرار الإسرائيلي في هذه المرحلة يشعر أنه في أزمة وهي نقطة فاصلة من معالمها، إنه تم حجز أو تم كسر الحاجز النفسي في الصراع المسلح بين الفلسطينيين وبين قوات الاحتلال، فالعنصر الفلسطيني استطاع أن يصل إلى عمق المجتمع أو عمق الكيان الإسرائيلي، وأن يدخل إلى معسكرات ومرتكزات أمنية أو مراكز أمنية ويحتل أماكن ويأخذ أسرى من هذا المكان أو من ذاك المكان أو يعتدي أو يقتل أو يصيب أو يشتبك داخل نطاق قوات الاحتلال الإسرائيلي هذا الأمر بمثابة نقلة نفسية لدى المقاومة الفلسطينية بعكس النقلة أو الكسرة النفسية التي قابلها الجندي الإسرائيلي هذا الأمر ربما نرى تبعاته عبر إطلاق إسرائيل عمليات (السيوف الحديدية).