فضل بن سعد البوعينين
كتب Thomas Biesheuvel وJacob Lorinc مقالاً في «بولمبيرغ» بعنوان «انسوا الصين، المال الساخن في التعدين أصبح فجأة سعوديًا»، أشارا فيه إلى تحول تاريخي في الاستثمار الدولي للمعادن والتعدين، بوصول السعودية بصفتها لاعبًا محوريًا جديدًا في القطاع، واستثمارها في الأصول الصناعية والمالية، وإبرامها اتفاقيات شراء حصص في أهم الشركات العالمية، ما يجعلها لاعبا رئيسا في القطاع على مستوى العالم، ووجهة للاستثمارات الأجنبية في قطاعي الصناعة والتعدين.
ربط الكاتبان بين الاستثمار في قطاع الصناعة والتعدين وبين الوصول إلى رؤوس الأموال التي تعد المحرك الرئيس للاستثمارات والشركات الكبرى، فأصبحت الشرق الأوسط مصدرا للصناعة المالية والتمويل، وباتت المملكة من أهم الممولين للمشروعات التعدينية الصناعية الكبرى.
وبالرغم من إيجابية المقال، إلا أن اختيار مصطلح «الأموال الساخنة» في ثناياه، لا يتوافق مع الاستثمارات النوعية التي تستقطبها المملكة، وجهودها الرامية لتطوير قطاع الصناعة، وتنميته، وخلق قطاع التعدين وفق متطلبات التنافسية العالمية وبما يحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030 وتنويع مصادر الاقتصاد.
حيث يطلق مصطلح «الأموال الساخنة» على التدفقات الاستثمارية الموجهة لأسواق المال، للإشارة إلى الأموال الباحثة عن الربح السريع، والتي لا تتوانى عن الانسحاب المفاجئ بمجرد تحقيقها الأرباح السريعة مخلفة أضرارا فادحة، وهو خلاف ما يحدث في قطاع الصناعة والتعدين السعودي، حيث الشراكات العالمية المستدامة، والاستثمارات النوعية طويلة المدى، والمشروعات المتنوعة التي باتت تطلق وفق إستراتيجيات وبرامج مرتبطة برؤية المملكة 2030، ومنها الاستراتيجية الوطنية للصناعة، التي أطلقها سمو ولي العهد للنهوض بقطاع الصناعة، وتحقيق هدف التنوع الاقتصادي وتعزيز حجم الناتج المحلي غير النفطي، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية لتصل إلى ما نسبته 50 في المائة من مجمل الصادرات. إضافة إلى استراتيجية التعدين والصناعات المعدنية التي تستهدف أن يكون قطاع التعدين الركيزة الثالثة للصناعة السعودية.
فما تشهده المملكة من تحول صناعي، واستقطاب للاستثمارات والشراكات العالمية لم يكن وليد الصدفة، أو بديلا لمتغيرات عالمية دفعت المستثمرين للتحول عن بعض الأسواق الغربية نحو الشرق، بل هو نتاج رؤية إستراتيجية وقف خلفها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وجاهد من أجل تنفيذها، لاستثمار المقومات والمزايا التنافسية المتاحة للمملكة، وخلق تحولا إقتصاديا مدعوما برؤية إستراتيجية واضحة، وتطوير البيئة الاستثمارية والتشريعية الداعمة للاستثمار في قطاع الصناعة والتعدين، وبما يحقق هدف التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية، وفق مستهدفات الرؤية.
وزير الصناعة والثروة المعدنية الأستاذ بندر الخريف، أكد أن استراتيجية التعدين تستهدف أن تكون المملكة شريكا أساسيا في العالم لحل نقص سلاسل توريد المعادن، وهذا ما يحدث بالفعل، حيث يتمتع قطاع الصناعة والتعدين بالعديد من الميزات التنافسية المحفزة، المعززة لتنافسيته العالمية. فالموقع الجغرافي المهم بين قارات العالم، وحدودها الممتدة على البحر الأحمر والخليج العربي، ووفرة الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، والقدرات البشرية، والقوة الشرائية العالية، والسياسات النقدية المستقرة، والإستقرار الأمني والسياسي من أبرز الميزات التنافسية التي تتمتع بها المملكة و المحفزة للقطاع.
إضافة إلى ذلك، فما تشهده المملكة من تحول اقتصادي شامل مرتبط برؤية السعودية 2030، وتحسين البيئة الاستثمارية والتشريعية الداعمة للقطاع والمحفزة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، نتج عنه الكثير من الفرص الاستثمارية النوعية في جميع القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمها الصناعة والتعدين،.
تمضي المملكة قدما لتعزيز مكانتها العالمية في قطاع الصناعة والتعدين، ضمن مسارات الاستراتيجيات الوطنية والقطاعية، للمساهمة في تحقيق مستهدفات روية السعودية 2030 ولتنمية وتنويع الاقتصاد الوطني، ما أسهم في هذا التحول الإيجابي في القطاع الأهم، وتعزيز مكانة المملكة كمركز للاستثمارات الصناعية والتعدينية العالمية، وتمكنها من مضاعفة عدد المنشآت الصناعية بنحو 50 في المائة منذ إاطلاق الروية، في الوقت الذي تستهدف فيه الوصول إلى 36000 مصنع بحلول عام 2035. لتصل قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وبما يحقق مستهدفات مضاعفة الناتج المحلي الصناعي 3 مرات، والوصول إلى صادرات صناعية بقيمة 557 مليار ريال سعودي.
وبعد أن كانت المملكة مرتبطة بالصناعات البترولية والبتروكيماوية لفترات طويلة، بات قطاعها الصناعي يتميز بالتنوع المعزز للاقتصاد، والمحقق لمستهدفات الرؤية، حيث تولدت قطاعات صناعية جديدة وواعدة ومنها التعدين، الصناعات العسكرية، صناعة السفن، التقنية الحديثة، الأجهزة، الصناعات الدوائية، التوسع في صناعات الأسمدة الفوسفاتية التي ستضع المملكة بين أكبر ثلاث دول منتجة في العالم، وصناعة السيارات والمركبات وأجزائها، وغيرها من الصناعات المحققة لهدف التنوع الاقتصادي، الذي يعد القطاع الصناعي، قاعدته الكبرى.