عبدالله إبراهيم الكعيد
لنتخيل أيها السيدات والسادة صدور هذه الصحيفة «الجزيرة» بدون صور كيف ستكون ردود فعل القرّاء؟
أظن بأن البعض منهم سيتوقع من الوهلة الأولى بأن هناك خللاً فنياً قد طرأ على المطابع سيّما وهي تدار بالكامل عن طريق التقنية الحديثة بينما العنصر البشري يقوم بدور المشغّل والمراقب. هل غفا المُشرف على العدد يومها وترك الآلة تشتغل على كيفها فحذفت الصور التي تُشكّل ما لا يقل عن 20 % من محتوى الإصدار اليومي.
البعض الآخر ألقى باللوم على الكمبيوتر الكبير الذي يحمل في جوفه كامل محتويات ذلك الإصدار من الصحيفة وأنه وراء حذف الصور. بينما اعتقد نفر من القرّاء بأن المسؤول الأول في الصحيفة هو من قرر ذلك توفيراً للنفقات سيما والصور كلها بالألوان وهو ما يعني أحبار متعددة تُلقم بها المطابع وهي ذات تكلفة عالية.
أكثر الناس صراحةً أقنع نفسه بأن الصورة ليست بذات الأهمية القصوى كي يفهم القارئ ويستوعب محتويات الجريدة ودلَّل على ذلك بالبدايات القديمة جداً للصحافة، حيث لم تكن الصورة ضمن محتويات الصحف في القرن السابع عشر. لهذا لم يرَ مشكلة أصلاً.
ماذا تعني كل هذه التصورات؟
تعني بكل وضوح أن الصورة الثابتة تعتبر بمثابة الروح في أي صحيفة عصرية وبالكلمة وحدها تكون جسداً حتى وإن تخيل القارئ الصور في ذهنه وكوّنها استناداً على ما في مخازن ذاكرته من معلومات ومشاهد وصور. والصورة في الصحيفة بصفتها وسيط اتصال يعتبرها أرباب الصحافة مُعزّزة للنصوص المطبوعة كما أنها تُضيف بعداً بصرياً يُسهّل على القارئ الإلمام بالموضوع المنشور.
حسب كتاب (الصورة/المكونات والتأويل) للفرنسي غي غوتيي فإن جوهر الصورة باعتباره رسالة لن يكون شيئاً آخر غير إعادة إنتاج الواقع. ولكن في الانتقال من الحجم الطبيعي إلى حجم الصورة ومن الحركة المتواصلة للحياة إلى سكونيّة الصورة. إذاً لا غنى عن الصورة كعنصر تعبيري يسند النص ويخرجه من جموده إلى ديناميكية محرّضه ترسم مشاهد متكاملة في الذهن للحدث المنقول صحافياً كخبر أو التحقيق والاستقصاء الصحفي.
وليام ايفنز الابن المتوفى عام 1961 اعتبر بدوره الصور المطبوعة «من بين أهم وأقوى أدوات الحياة».
حول أهمية الصورة في تعزيز نقل الأحداث ونشرها في أخبار أي صحيفة أضرب مثلاً ذلك الحدث الأكبر الذي وقع في العام الأول من بداية الألفية الثالثة ما يُسمى بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. لو لم نُشاهد صور انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك لما كُنا عرفنا وتابعنا باهتمام ما جرى وما تلا ذلك من تبعات خطيرة.
من جانب آخر ماذا عن صانع الصورة الصحفية ومبدعها ذلك الجندي المجهول الذي كثيراً ما يتعرض للمضايقة والإبعاد والاعتداء عليه في بعض الأحيان. ألا يستحق التقدير والتشجيع؟
شخصيّاً أشد على يد كل مصوّر صحافي شجاع وأقول له شكراً جزيلاً ولا تكفيك.