حسن اليمني
كل مرة نوظف بنتا في الكافي يجيء زبونٌ يخطبها وتقدم استقالتها، ونبتلش في التوظيف والتدريب من جديد) هذا ما قاله أحد ملاك متجر يقدم القهوة بأنواعها، وأغلب الظن أن فيه من المبالغة ما فيه لكنه في باطنه العميق يكشف حركة تغير اجتماعي تتحرر بجرأة على السائد الساكن.
بعيداً عن المعنى التجاري الظاهر على سطح هذا التصريح من السهل جداً أن نكتشف المسحة الاجتماعية في عمقه، حين تصبح وظيفة المرأة في نشاط تجاري فرصة لحل مشكلة اجتماعية قد تكون إحدى فرص العلاج للعزوف عن الزواج الآخذة في التوسع في مجتمعنا راهن الوقت، وأي نعم الصورة في تركيبتها الإجمالية قد يشوبها الغرابة وربما مسحة استفزاز للسائد والمألوف لكنها طبيعة مراحل التغير الاجتماعي الذي يحدثه تغير أدوات الحراك المتوائمة مع العصر ومعطياته أو هكذا ربما يعتقده البعض أو يفهمه بهذا المعنى لكن أن تجردنا وابتعدنا عن جاذب وقيد التحفظ المبالغ فيه والحذر من الاستحداث والتجديد والمبالغة في اختيار السكون والثبات على المحاولة والتجديد حين ندخل في عمق الإرث والتاريخ الاجتماعي للمجتمع فسنجد أن السوق والتسوق والتخالط الاجتماعي يعتبر من إحدى أهم فرص التعارف وإقامة العلاقات بما في ذلك التزاوج والمصاهرة، وليس صحيحاً أبداً أن إرث تاريخنا الاجتماعي منغلق ومحصور في فصل الثنائية بين الذكورة والأنوثة وتشريع هذا العمل بالمعتقد الديني بالشكل العام دون تدقيق.
أعتقد أننا في حاجة ماسة لإعادة تصحيح فهمنا في أسلمة الفقه الاجتماعي، وأقصد بالفقه الاجتماعي في حركة العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع وسعتها وضيقها في الممنوع والمباح وبشكل أدق في المحرم والجائز بناءً على التشريع الإسلامي الذي هو الحاكم الفصل للمجتمع، ليس كل مرفوض في مجتمعنا في إطار العلاقات الاجتماعية الطبيعية محرماً شرعاً وليس كل معمول ومشرع في مجتمعنا في إطار العلاقات الاجتماعية الطبيعية محللاً شرعاً، ولا أريد أن أظهر أمثلة على ذلك بحكم أنه موضع قد يثير الخلاف بحكم أن الاستناد في تبويب الحكم للفقه الإسلامي الحرفي المتوارث دون الاعتبار للبعد الاجتماعي ومعطيات العصر وظروفه, رغم عمق العلاقة فيما بين البعدين الديني والاجتماعي وتكملتهما لبعض من خلال السكوت أو تجاوز الدخول في التفاصيل درءاً لأضرار تعمق وتشعب النقاش مع توفر سلطة التحكم والضبط مما قد يفسر بالتهاون أو التكاسل أو عدم إعطاء الأهمية المستحقة لتجويد مفاصل العلاقات الاجتماعية وإن كان قد بدا سن النظم والقوانين والعقوبات فعلياً لكن لا زال في مجال السلوك الفردي وإن كان في بعضه يتسع قليلاً للبيئة الاجتماعية وصورتها الاجمالية وهو أمر رائع لكنه لا زال بحاجة للتطبيع الاجتماعي من خلال جوانبه الدينية والاجتماعية اللتين لا زالتا متباعدتين في القراءة والفهم والإنتاج مما يربك التطبيق والتوافق بما يخلق نوعاً من التفاوت بين قبول ورفض وتشكيك والحاجة تدعونا لإعادة النظر والفهم بفقه اجتماعي أكثر عمقاً ووعياً.
أعلم جيداً أن المس بمسلمات المجتمع المتوارثة يعتبر مثل التطفل على عش الدبابير لا سلامة منه دون بعض الأذى، ولكن، ليكن دام أن الظن في الوصول لأهل العقول الراجحة المستيقظة احتمال قائم، ولا يعني هذا أني أخطئ أو أقدح في سلامة المفاهيم الاجتماعية وإنما أطرح التساؤلات لإثارة العقول بهدف إعادة فهم فقه العلاقات الاجتماعية التي أظهرت أن عمل فتاة في مقهى هيأ لها الذي يتقدم لخطبتها وبناء أسرة جديدة بتفاهم وتوافق بين طرفي العلاقة بعيداً عن معارج التقاليد الاجتماعية، هل هو عمل جيد أم غير ذلك؟ هذا أمر الحكم به دون عمق وتدقيق لأهل الاختصاص الاجتماعي والفقه الإسلامي يعتبر عملاً خاطئاً، وإيماني بيقين أن عاقد النكاح لن يسأل الطرفين أين التقيا للاتفاق على هذا الزواج لأنه خارج اختصاصه وإنما الإشكالية تظهر في الدائرة الاجتماعية المحيطة بالطرفين ومدى الفهم والاستيعاب لمثل هذا المنطق، والأمر هنا لا يبحث شأن صاحب المقهى ومصير تجارته في تسرب المتدربات من العمل فهذا أمر آخر وإنما الأمر مختص في دورة العلاقات الاجتماعية وحركتها ومدى الأثر الإيجابي والسلبي من خلالها على صحة وسلامة الحراك الاجتماعي ووعيه وكيفية الاستفادة منه.