د. صالح العبدالواحد
خلال زيارة أحد الأصدقاء الأجانب لمدينة جدة، وبعد أن أنهى رحلة غوص بحرية خلابة، وخلال تناول وجبة سمك مطبوخ بطريقة لا مثيل لها في العالم، لا يمكن أن يفوت صديقي الحديث عن شدة إعجابه باللقاء الذي تم مع صاحب السمو الملكي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان قائلًا:
«لا يستطيع أكثر الرؤساء الأمريكيين خبرة، أن يتحدثوا بمثل هذه البديهة والذكاء».
وهذا بالطبع ليس رأي ضيفي لوحده، بل لقد امتلأ الشعب بأكمله فخرًا، ونحن نسمع المقابلة، ونزداد إعجابًا يومًا بعد يوم.
الإعجاب من قبل الزائرين الآن تعدى مرحلة التنقل الآمن، والمناظر الخلابة الصحراوية منها أو الجبلية أو البحرية، وتعدى الترقب عن الفريق الذي سيلعب مباراة اليوم في الدوري السعودي، إنه الإعجاب بالقيادة الفذة، جيلًا بعد جيل، منذ ثلاثمائة عام حيث تتحدى الأسرة الحاكمة جميع الصعاب، لتسخير أفضل مكانة عالمية للشعب السعودي.
أضاف ضيفي: «ولكن».. وهنا ترقبت الجملة التالية لحرف العطف والاستدراك والذي يُثبت لما بعده حكمًا مخالفًا لحكم ما قبله،
«كيف يمكن أن يكون هناك هيئة لمكافحة الفساد بوجود شخصية قيادية مثل صاحب السمو؟»
و«كيف ينتقد سمو الأمير بعض الحيثيات القضائية؟»
و«الأهم من هذا كله، كيف يتابع سمو الأمير معايير التطور الهائلة؟»
وأجبته بأن سمو الأمير اكتشف أهمية مكافحة الفساد منذ توليه أول مهامه القيادية. ورغم إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، فقد تم تطوير قطاع مهم وهو الجهة القضائية التي تراقب عمل الأجهزة الإدارية للدولة.
وفتحت له موقع «مُعين» من هاتف الجوال، وشرحت له إمكانية رفع دعوى ضد أي جهة حكومية قامت بتعطيل معاملتك دون سبب، فإذا كنت تشك في أنه إلجاء من قبل الموظف لدفع الرشوة، فبإمكانك رفع الدعوى القضائية بسهولة، وسيقوم القاضي بالتحقيق وبحث الإجراءات الإدارية، فإن ثبت مخالفة الموظف للخطوات الإدارية الصحيحة، فإنك ستحصل على حكم قضائي بإنهاء معاملتك، وسينال الموظف عقابه.
لم يصدق ضيفنا أن يبقى فساد إداري ضمن وجود هذا التنظيم الرائع، وسأل:
«ما الحاجة إلى هيئة مكافحة الفساد إذن؟».
وحيث إنه لا يوجد جواب لهذا الاستغراب، سواء كانت طريقة تطبيق بعض القضاة للأنظمة، أو بالأحرى عدم تطبيقها، أو عدم تفسيرها التفسير الصحيح، (وهذا ما يشتكي منه الزملاء المحامين، ولا خبرة لي في هذا المجال)، فقد أشرت له بأن إجابة الأمير أفادت بأن علاج هذه المشكلة قادم ولو استغرق بعض الوقت، وأنه ينظر لجميع مشاكل القضاء بكل دقة.
وعلَّق ضيفي بأنه من الواضح أن سمو الأمير قدم جميع ما يمكن تقديمه للقضاء من إمكانات هائلة، ويبقى الآن تطور الموارد البشرية التي تستغرق بعض الوقت.
وعن معايير تطور المشاريع فإن ذلك يتم من حساب المردود على الناتج المحلي، وتفيد الأرقام وجود التطور المطلوب من العديد من المشاريع التي تم تنفيذها.
أما معايير التطور العلمية والأكاديمية، فقد ابتكر سمو الأمير طريقة هائلة لمتابعة الإنجازات ومعرفة سرعة الوصول للأهداف المأمولة من عدمها بطريقة فذة. حيث يعقد سمو الأمير اجتماعًا مع الجهاز التنفيذي للإدارة المعنية، ويستمع منهم على خططهم، ومعايير تقدم الإنجاز الخاصة بهم والتي يتم بناء عليها تقييم نجاح التنفيذ، ويقوم سموه باختيار أحد المعايير الدقيقة للمتابعة الشخصية.
من بعض الشواهد، ومن خلال مقابلات سابقة لسمو الأمير، شرحت لضيفي مثالين عمليين، أحدهما طبي، والآخر أكاديمي. وددت لو شاهدتم كيف أثار ذلك تعابير وجه الضيف، وترقبه لمعرفة الإجابة.
في لقاء سمو الأمير مع عبد الله المديفر قال سمو الأمير إن: «مستشفى الملك فيصل يجب أن يصبح أحد أفضل المستشفيات في العالم».
وبما أنه لا يمكن التنازل عن المستوى الطبي المتطور، وحيث إن خدمة المرضى لا تخضع للتكاليف المادية، فقد اختار سمو الأمير معيارًا إداريًا من ضمن معايير الأداء التي تقدمت بها الإدارة ذاتها، والذي يمكن من خلال إجابة واحدة الحصول على جميع المعلومات المطلوبة.
أحد العوائق التي تم عرضها كان هو أن فترة بقاء المريض في المستشفى (وتعرف في الإدارة الطبية L.O.S)، تتجاوز في مستشفى الملك فيصل الحد المتعارف عليه عالميًا بنسبة 100 %.
وأن بقاء المريض لمدة ثمانية أيام، عوضًا عن بقائه أربعة أيام، يتسبب في نقص عدد المرضى الإجمالي الذين يمكن خدمتهم، وإطالة لائحة الانتظار وزيادة التكاليف المادية.
ومن خلال معادلة حسابية بسيطة، أوضح سمو الأمير خلال المقابلة أن معالجة تلك المشكلة، سيؤدي إلى زيادة عدد المرضى الذين سيتم خدمتهم في مستشفى الملك فيصل، ليصل في نهاية المطاف إلى ضعف العدد الحالي، وأن الاستغناء عن أربعة أيام «مترهلة»، سينتج عنه أيضًا مضاعفة المردود المادي للمستشفى من 6 مليارات إلى 12 مليار ريال.
أي أن كل يوم يتم توفيره ضمن رؤية سمو الأمير، سينتج عنه توفير مليار ونصف مليار ريال كانت تهدر سنويًا في السابق دون أي فائدة!
أما من الناحية الأكاديمية، فقد اختار سمو الأمير جامعة الملك سعود لتحقيق مستوى تصنيف عالمي يصل بالجامعة إلى مصاف أفضل مائة جامعة في العالم، ثم الدخول في تصنيف أفضل عشر جامعات في العالم، يجب العمل عليه حتى ولو لم يتحقق في الوقت المحدد.
وإذا افترضنا أن ترتيب الجامعة الحالي على سبيل المثال هو المركز 300 عالميًا، فإنه وللوصول إلى عالم المائة جامعة الأفضل في عام 2030 - خلال سبع سنوات -، يجب أن تزيد سرعة التطور عن ثلاثين مركزًا سنويًا.
وبذلك فإن معيار أداء الجامعة لتحقيق هذا الهدف هو الحصول على إجابة واحدة من إدارة الجامعة تحتوي على الرقم الذي أحرزته الجامعة قدمًا هذا العام، عوضًا عن تقرير مطول.
«إنه معيار مبدع من شخصية مبدعة»، هذه كانت ردة فعل الضيف.
وهذا لا شك هو الانطباع المذهل نفسه لأداء سمو الأمير لدى الشعب السعودي الذي يزداد انبهارًا وسعادة، و.. طمأنينة.