خالد بن حمد المالك
نؤكِّد من جديد أنه لا خيارَ آخر ولا بديل لهذا العنف بين الفلسطينيين وإسرائيل إلا بإيجاد حلٍّ لحق الفلسطينيين بدولة (حكماً) بقرارات الشرعية الدولية، وأنَّ أي إنكار لهذا الحق، هو كمَن لا يريد أن يتوقف هذا التصعيد في الصراع المزمن بين الجانبين، بل إن أكبر خطأ حين لا تشجع الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيلَ على القبول بما تمَّ الاتفاق عليه من قرارات في مجلس الأمن والأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية الأخرى، ويزداد الخطر أكثر ويستمر ويتصاعد حين تُعلن أمريكا والدول الأوروبية دعمها المطلق لإسرائيل، فيما تتغاضى عن الحقوق الفلسطينية، وتندد بكل محاولة من الفلسطينيين للتعبير عن حقوقهم المشروعة، وتصف أي إجراء منهم بأنه عمل إرهابي، فيما لا تفعل ذلك حين تكون هناك اقتحامات إسرائيلية للقدس والمخيمات الفلسطينية، حيث يُقتل الفلسطينيون أو يصابون أو تُهدم ديارهم، أو تُدنَّس أماكنهم المقدسة.
* *
كانت المملكة على امتداد تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين -وما زالت- صاحبة موقف مبدئي وموضوعي ثابت، حيث إنها تتعامل مع القضية الفلسطينية بالحكمة، والبحث عن معالجة تُعطي للفلسطينيين حقوقهم الثابتة تاريخياً، وكانت على امتداد التاريخ -أيضاً- مع حماية المدنيين، وضبط النفس، ومنع التصعيد في القتال بين الجانبين، وضد العنف ضمن تحذيراتها المتكررة، والتذكير دائماً بمخاطر انفجار الأوضاع، نتيجة استمرار الاحتلال، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وضد تكرار الاستفزازات الإسرائيلية الممنهجة ضد المقدسات الإسلامية. وجاء في بيان وزارة خارجية المملكة تحذيرها من تطورات الأوضاع غير المسبوقة بين عدد من الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أمس الأول وإلى الآن، حيث ارتفاع مستوى العنف الدائر في عدد من الجبهات، وها هي المملكة تجدد دعوة المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته، وتفعيل عملية سلمية ذات مصداقية، تفضي إلى حل الدولتين بما يحقق الأمن والسلم في المنطقة ويحمي المدنيين.
* *
يأتي هذا الموقف السعودي الثابت إثر العمليات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل والفلسطينيين منذ يوم السبت الماضي، والتي قُتل فيها أو أُصيب أو أُسر ما يصل إلى خمسة آلاف من الجانبين، والأرقام مرشحة للازدياد، فيما كانت إسرائيل ستتجنب هذا المأزق لو أنها التزمتْ بقرارات الشرعية الدولية 308 و242 وقرار التقسيم عام 1948 واتفاق أوسلو، ولو قبلتْ كذلك بالمبادرة العربية بإقامة دولة للفلسطينيين مجاورة للدولة الإسرائيلية، دون حاجة تل أبيب لأن تكون في وضع لا يوفر لها الأمن والاستقرار والسلام.
* *
يقول الدكتور صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية -رحمه الله- (إن المملكة منذ تأسيسها على يد المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وهي تسير في سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية في نطاق أخلاقي، أملاه عليها دينها الإسلامي، وثقافتها العربية، واستشعارها لأهميتها، وثقلها على الصعيد العربي والإسلامي والدولي، وأن الأبناء الملوك ورثوا عن المؤسس صفات القائد الهمام، والنبيل الملهم، وصفات القيادة السعودية التي تعتبر القضية الفلسطينية منذ تأسيس المملكة قضيتها الأولى بامتياز). وهو بهذا يؤكد أن المملكة وجدت نفسها بكل ملوكها ومن تولى ولاية عهدها معنية بالقضية الفلسطينية، حريصة على الحق الفلسطيني، وهي مع هذه التطورات تتابع القتال الذي يدخل يومه الثالث بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، ولم تتردد في إيضاح موقفها من وصف إسرائيل بالمحتلة للأراضي الفلسطينية، ورفضها للتصعيد، والدعوة لضبط النفس وحماية المدنيين.
* *
في بيان وزارة الخارجية تعليقاً على ما يجري من قتال، ذكَّر البيان بحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، واستنكاره لما يقوم به المحتل من استفزازات ممنهجة ضد مقدساته، وأن على المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤولياته، وتفعيل عملية سلمية ذات مصداقية، تفضي إلى حل الدولتين، أي أن المملكة وفي ظل هذا التصعيد في القتال، ظلت أكثر تمسكاً بمواقفها في دعم القضية الفلسطينية، بل إن هذا هو موقفها الثابت الذي لم يتغير، وقد لخص -بالمناسبة- الرئيس الأمريكي الأسبق (روزفلت) انطباعاته بعد لقائه واتصالاته مع الملك عبدالعزيز وموقف جلالته من القضية الفلسطينية، قائلاً لمستشاريه (إن العرب واليهود يتجهون إلى الصدام والحرب في فلسطين، وأنه ينوي لقاء زعماء الكونجرس في واشنطن للبحث في سياسة جديدة قد تجنبنا الصراع)، لكنه توفي بعد شهرين من رسالته، ولم يحسن الرؤساء بعده والمؤسسات الأمريكية في معالجة المشكلة على النحو الذي لا يجعل الصراع مستمراً منذ أكثر من سبعين عاماً، وهو ما توقعه الملك عبدالعزيز.
* *
المطلوب الآن التهدئة، وتجنُّب التصعيد، واستثمار ما جرى من قتال للبدء في حوار جاد وصادق للوصول إلى حل الدولتين، ومن ثمَّ التطبيع مع إسرائيل، وضمان حقوق الفلسطينيين في دولة قابلة للحياة، وأن تعيد أمريكا والدول الأوروبية النظر في سياساتها ومواقفها من حقوق الفلسطينيين في أراضيهم، والضغط على إسرائيل بالقبول بالحلول المتاحة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية.