د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
توافقًا مع رؤية المملكة 2030 هدفت السعودية إلى أن تكون الرياض من أكبر 10 اقتصادات مدن في العالم، لأن السعودية تؤمن أن الاقتصادات العالمية ليست قائمة على الدول، بل هي قائمة على المدن ونحو 85 في المائة من اقتصاد العالم يأتي من المدن بل عن السنوات المقبلة سترتفع النسبة إلى 95 في المائة التي تأتي من المدن، مما يؤكد أن التنمية الحقيقية تبدأ من المدن.
لذلك ركزت السعودية على إستراتيجيات لكل المناطق التي بدأت بإطلاق مدينة نيوم والمدينة الرئيسية بها ذا لاين، أعقبها إعلان إستراتيجية مدينة الرياض في أن تكون أكبر 10 مدن في العالم وستنافس طوكيو ونيويورك ولندن وهي تقع في الترتيب الـ40 في 2021 في قائمة المدن الأكبر اقتصاديًا على مستوى العالم.
بدأ تخطيط الرياض منذ نصف قرن على يد الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- عندما كان أميرًا للرياض، فهي تمتلك ميراثًا اقتصاديًا كبيرًا حيث تشكل 50 في المائة من الاقتصاد غير النفطي السعودي، فهي إحدى الركائز المبشرة لتحقيق نمو اقتصادي ضخم في السعودية، ويمكن أن يقفز عدد سكان الرياض من 7.5 مليون إلى 15-20 مليون نسمة بحلول 2030، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الطلب الكلي التي بدورها تؤدي إلى انتعاش اقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة، وأن تكون أميز المدن في العالم في جودة الحياة وفي السياحة وفي الخدمات بشكل أو بآخر لتكون مقرًا مناسبًا للشركات العالمية.
حاليًا تعتبر الرياض من أميز 10 بنى تحتية للمدن في العالم، ولدى الرياض مشروعات جبارة في البيئة مثل حديقة رئيسية بحجم حديقة سنترال بارك 3 مرات وليست الوحيدة بل هناك مئات الحدائق التي ستبنى في الرياض بالإضافة إلى تبني السعودية الرياض الخضراء لتشجير ملايين الأشجار في مدينة الرياض، وهناك محميات ضخمة نحو مدينة الرياض لتحسين الوضع البيئي لمدنية الرياض ومنطقة الرياض، مما تؤكد أن هذه الممكنات ترشح نموًا كبيرًا جدًا للمدينة، وهناك مشروعات ضخمة في السعودية نيوم وأمالا والبحر الأحمر والقدية، وهي بحجم دول إضافة إلى غيرها من المشروعات خصوصًا أن مشروعات صندوق الاستثمارات التي تعزز قيمة أصوله والتي يمكن أن تصل إلى تريليون و100 مليار دولار فقط في السنوات المقبلة الذي يشجع الشركات العالمية على إقامة مقراتها الإقليمية في الرياض وبمثابة جذب المقرات الإقليمية.
برنامج المقرات الإقليمية هو مبادرة مشتركة بين وزارة الاستثمار والهيئة الملكية لمدنية الرياض يدعو الشركات العالمية إلى نقل مقراتها الإقليمية إلى السعودية بهدف تقديم الدعم والإدارة والتوجيه الإستراتيجي لفروعها والشركات التابعة لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحتى نهاية الثلث الثالث من 2023 قدمت وزارة الاستثمار تراخيص لأكثر من 162 مركزًا إقليميًا مع تفعيل الحوافز المقدمة للمقرات الإقليمية فيما يخص الموظفين بجانب تقديم كل التسهيلات الأخرى، وفرضت الدولة على الجهات الحكومية بمنع التعامل مع الشركات التي ليس لها مقر إقليمي في السعودية أو أي طرف ذي علاقة إلا وفقًا لأحكامها، أي استثنت المبالغ التي تقل عن مليون ريال أو التي تنفذ خارج السعودية.
خصوصًا قد حققت مدينتا الرياض وجدة تقدمًا في مؤشر قابلية العيش العالمي ضمن تقرير سنوي أعدته وحدة الذكاء الاقتصادية التابعة لمجموعة الإيكونوميست في تصنيفها الـ140 مدينة بناء على تقييم عوامل الاستقرار، الثقافة، والبيئة، التعليم، الرعاية الصحية، والبنية التحتية.
السعودية دولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي حتى أصبحت قبلة آمنة للاستثمارات من مختلف دول العالم، وتأكيدًا لمكانة السعودية وثقلها المؤثر على الاقتصاد العالمي ولمواقفها المعتدلة وقراراتها الاقتصادية الرشيدة التي تبنتها خلال سنوات التنمية الشاملة، فهي تشارك في قمة العشرين منذ دورتها الأولى في واشنطن في 15 نوفمبر 2008 عندما ضربت الرهون العقارية الاقتصاد الأمريكي وامتد أثره إلى دول العالم منذ ذلك الوقت.
جاءت مشاركة السعودية تأكيدًا على مكانة السعودية في المحفل الاقتصادي الدولي، والتزامها بأداء دور فاعل وإيجابي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي بل ودورها في صياغة نظام اقتصادي عالمي يحقق نموًا اقتصاديًا عالميًا متوازنًا ومستدامًا يخرجه من أزمات تمر به ويحافظ على مصالح الدول المتقدمة والناشئة.
أصبحت السعودية نتيجة دورها الاقتصادي تصنف على أنها بين أفضل الاقتصادات الناشئة جنبًا إلى جنب مع دول صاعدة كالصين والهند وتركيا، وسط ما تمثله السعودية من ثقل اقتصادي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط والدول العربية ولما تملكه من إمكانات اقتصادية، وتتخذ السعودية دائمًا مواقف معتدلة في قراراتها الاقتصادية التي تبنتها خلال سنوات التنمية الشاملة، وتلتزم في أداء دور فاعل وإيجابي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي.
محاولة جذب السعودية اجتذاب الشركات لتأسيس مقار إقليمية لها بالرياض تثبت نجاحها، وذلك في إطار تنافسها على جذب رأس المال والمواهب الأجنبية، ولا يعني ذلك إنهاء عمليات الشركات في أماكن أخرى، ولكن ستقدم لها السعودية حوافز حسب القطاعات ليست عملية تحفيز شاملة، خصوصًا أن هناك إطلاق مشاريع عملاقة وإستراتيجية محددة للرياض بقيمة 40 مليار دولار للقطاع الخاص والفرصة غير مسبوقة في أنحاء العالم.