عمر إبراهيم الرشيد
في إحصائية للحكومة الأمريكية تبيَّن أن الولايات التي أعادت عقوبة الإعدام لجريمة القتل قد انخفضت فيها معدلات الجرائم مقارنة بتلك التي لا تطبق هذه العقوبة. أوردت هذه المعلومة للتذكير بتأثير العقوبة الرادعة وهي القصاص، وفي بلد قوانينه وضعية مثل أمريكا، ويبذل المحامون هناك كل ما بوسعهم من ثغرات لإبعاد هذه العقوبة عن موكليهم، ومع ذلك انخفضت معدلات الجريمة، فما بالك والمملكة -وبحمد الله - تطبِّق أحكام الشريعة الغراء في الحدود والعقوبات. أقول هذا والمجتمع يعلوه الضجيج هذه الأيام على أثر جريمة قتل تعتبر شنيعة حتى في تلك المجتمعات، فكيف بنا ونحن في بلاد الحرمين! وما يقلق حقيقة تلك الجموع الهادرة التي تولول وتجأر مطالبة بالعفو، محاصرة منازل ذوي الدم وكأن القضية لا تتعلق بحق إنسان أكباد ذويه تتفطَّر كمداً. والمخيف كذلك أن مثل هذه الجاهيات على انتشارها وتكاثرها حتى أصبحت ظاهرة، لا تسهم في ردع من تسوِّل له نفسه قتل نفس أخرى، لأن هذه الجاهيات تغري ضعاف النفوس والعقول باعتبار اطمئنانهم لوقوف القبيلة أو العشيرة معه مطالبة بالعفو كما يحدث ومنذ عقود من الزمن، على أنها لم تكن في السابق كما هي عليه الآن، إذ أصبحت ظاهرة في رأيي.
ولا تقتصر مخاطر هذه الظاهرة على النواحي الأمنية للمجتمع والوطن، وإنما تشمل كذلك النواحي المالية لأفراد القبيلة أو العشيرة أو العائلة، حين يطالبهم ذوو القاتل بالمساهمة في الدية. ولئن كانت الدية في صلب أحكام الشريعة الغراء لأن الإسلام دين حياة وهي الأساس، وإنما شرع القصاص حفظاً لهذه الحياة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ومع ذلك فإن شيوع الجاهيات والمطالبات بالعفو وبتلك المشاهد المؤسفة، ووصول الديات إلى أرقام بعشرات الملايين وأكثر، فإنه يجدر بالجهات المعنية كوزارة العدل ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الداخلية، وهيئة كبار العلماء، إيلاء هذه القضية ما تستدعيه من وقفة حزم وحكمة، ووضع ضوابط مما يندرج ضمن (فقه النوازل) مع تدخل ولي الأمر بما يراه وبتكليف هذه المؤسسات الحكومية حفظاً لأمن المجتمع وحياته، والله نسأل أن يحفظ بلد الحرمين قيادة وشعباً.. إلى اللقاء.