عبد الله سليمان الطليان
منذ خلق الله البشر والأب والأم هما المسؤولان عن تنشئة الأبناء، وهي مسؤولية تعتبر عظيمة وجسيمة لما لها من أثر على الأبناء في داخل الأسرة أو خارجها وكذلك في مستقبل حياتهم، والغالبية من الآباء والأمهات يتمنون تنشئة أبنائهم التنشئة السليمة والصحيحة، ولكن هذا يخضع أحياناً إلى ثقافة الأب والأم ويعتبر القاعدة الأساسية في التربية سواء إيجاباً أو سلباً.
سوف أتطرق إلى موضوع شغلنا في هذه الأيام وهو مسألة غياب الطالب، ومسؤولية ولي الأمر الذي سوف يتعرض إلى عقاب في حالة غياب الطالب والذي يطبق بالتدرج، ولن أدخل في تفصيله أكثر، وسوف أشير إلى جوانب مختلفة في مسألة غياب الطالب عن المدرسة الذي يقع عاتقه على الأسرة سوء من الأب أو الأم وليس على الأب وحده، يعنى أن المسألة مشتركة، وهذا في حالة أن الأسرة غير ممزقة أو متشرذمة، وهنا يأتي دور التعليم والثقافة بالنسبة للأب أو الأم، فمتى كان الأب والأم على وعي كبير وإدراك قيمة الوقت والمحافظة عليه فهذا ينعكس على الأبناء ليس في المدرسة فقط بل في كل شئون حياتهم.
لماذا الوقت غير مهم لدى بعض الآباء والأمهات، الذين نجدهم مثلاً يسافرون في وقت الدراسة من غير ضرورة نسمع منهم (ثلاثة أيام أو أسبوع غياب) غير مهمة في حياة الأبناء الدراسية، هم في هذه الحالة يعطون قدوة لأبنائهم وهم غير مدركين لذلك وفداحته على نظام حياتهم في المستقبل، يزداد الأمر سوءًا مع ظهور (الأسبوع الميت) الذي لم أجده في أي بلد في العالم، هذا الأسبوع يتعذر به الأبناء أمام الأب والأم في أنه لا يوجد درس جديد وأن هناك مراجعة فقط، ويكون هذا فرصة لبعض الأبناء في السهر والتسكع في الشوارع أو السهر داخل المنزل أمام الألعاب المختلفة أو التلفزيون غير منتظمين في النوم، أحياناً نجد الأب والأم تاركين الحبل على الغارب غير مبالين أو منشغلين بأعمالهم أو يكونوا هم من يأتي إلى المنزل آخر الليل. هذا هو الأثر الأول في غياب الطالب.
نأتي إلى الأهم وهو ما أشرنا إليه سابقاً حالة تمزق الأسرة وتشتتها الذي يحدث بفعل الطلاق أو الجريمة والسجن أو تعدد الزوجات، الذي يعاني مجتمعنا منها بشكل كبير والمحاكم لدينا تعج بالكثير منها، وسوف أذكر هنا ما كشفت عنه الهيئة العامة للإحصاء عن زيادة غير مسبوقة في معدل حالات الطلاق خلال عام 2022م، حيث وصلت إلى 168حالة يومياً، بواقع سبع حالات طلاق كل ساعة، وبمعدل يفوق الحالة الواحدة كل 10 دقائق، هذا في الطلاق فقط. ومن خلال عملي السابق كمعلم أود أن أعطي بعض المواقف التي اطلعت عليها والتي كانت سبباً في ضياع الأبناء ليس في الغياب وحده بل في تدني مستوى الأبناء في التحصيل الدراسي.
من هذه المواقف أن بعض الآباء والأمهات بعد الانفصال يجعلون من الأبناء كبش فداء، حيث يسعى كلاهما إلى الكيد بالآخر وتصفية حساباته على حساب الأبناء، وخاصة في منع رؤية الأبناء عن الآخر، وهذا حدث بالفعل أثناء عملي.
الموقف الآخر له علاقة بمسألة التعدد في الزوجات عند من (لا يفقه شيئًا في مفهوم التعدد وواجباته) ولا يدرك عمق الأثر السلبي الذي يحدثه أحياناً في نفسية الأبناء، كان هناك رجل غير متعلم متزوج من امرأتين كل امرأة تسكن في مدينة بعيدة عن الأخرى وكل واحدة لديها 6 من الأبناء والبنات، الأب هذا لا يعرف معنى المسئولية نحو أبنائه، مستوى تعليمه منحصر فقط بالفخر في المجالس بأنه معدد، الشيء المضحك في هذه الحالة أنه جاء إلى المدرسة يسأل عن أحد أبنائه ولم يعرف في أي مرحلة يدرس، ويتعذر بجهله أن أبناءه كثر.
إن المدراس لدينا فيه الكثير من الأبناء يعيشون معاناة في حياتهم سواء داخل الأسرة أو خارجها، منهم من يصمد ويتخطى المعاناة وهم قله، ومنهم من تدمر أحياناً هذه المعاناة حياته ومستقبله، وإني أتمنى أن يكون هناك معالجة جادة لوضع الطالب الذي يعيش هذه المعاناة ولا يتوقف الأمر عن الطالب فقط حد العنف الأسري.
أخيراً أعتقد أن مسألة غياب الطالب وبعيداً عن المشاكل الأسرية المختلفة تبقى ثقافة لا تفيد الأسرة وحدها بل تفيد المجتمع على المدى البعيد، وهي إدراك أهمية الوقت في عملية التطور والتقدم والإنتاج. دمت في رعاية الله.