محمد سليمان العنقري
هناك ظاهرة يبدو أنها بدأت تزداد في عالمنا العربي لدى فئة انتمت لطبقة المثقفين في مختلف المجالات، فمنهم من اختار أن يكون أديباً أو مؤلفاً لكتب في تخصصات اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية وغير ذلك، وبعضهم وجد في موضة ثقافة الفنون مكاناً خصباً لكي يبرز نفسه فاعتمد على شيء من الهواية الشخصية التي نشأت معه من طفولته فنماها ببعض الدورات والدراسات، أو أنه اعتمد على نفسه بتعلم مهارات الفنون مثل الأدائية أو البصرية وغير ذلك، لكن عندما أراد أغلب هؤلاء البروز والاستفادة المادية وكذلك الإعلامية لصناعة الشهرة لجؤوا إلى أسهل الطرق كاقتباس أفكار من أدباء أو مختصين عالميين أو فنانين من دول بعيدة ثقافياً عن المجتمع العربي، وقاموا بتقليدها مع تغييرات بسيطة لكن لم يضعوا فكرة جديدة ولم يظهروا أي اختلاف عن ما اقتبسوه، وبما أن ما أخذوه عن غيرهم ليس منتشراً بمجتمعاتهم ولا أحد يعرفه أو على الأقل الغالبية خصوصاً المتلقين غير المختصين من عامة المجتمع، فمرروا تلك الأعمال على أنها من إبداعهم وإذا ما انكشف الأمر ولو بعد حين فالتبرير سهل، إما يقولون إنها توارد خواطر أو محاكاة، ولكن الإشكالية الكبرى أن ما أُخذ من فكرة عنهم قد تترسخ لسنوات أن ما قدموه هو عمل من بنات أفكارهم.
وقد يقول البعض وأين المشكلة.. العالم قرية صغيرة وبعضهم ممكن أن يضع عذراً بأن كل شيء بالحياة انتقل من جيل لآخر وتم تطويره، فهل الكمبيوتر اليوم مثل نظيره قبل ثلاثين عاماً، فهم يرون أن ذلك تطوير لفكرة أو كتاب أو حتى قصيدة، فالتبريرات جاهزة والحقيقة أن ضرب مثل هذه الأمثلة غير دقيق، فالتطوير أمر مختلف عن السرقة أو تقليد فكرة أو نسب فكرة كتاب متخصص ألفه عالم معروف فيقوم شخص بتغيير العنوان وتعديل ببعض الكلمات أو حذف فصول بما يتماشى مع مجتمعه ويعلن للجميع أنه كاتب ومؤلف أو فنان مبدع، فهذا التوجه لا يبتعد أبداً عن وصف الغش كظاهرة سلبية لأنها تظهر أشخاصاً لا يستحقون المكانة التي أخذوها، والأيام تكشف أنهم فارغون لأنه عندما لا يجدون من يأخذون عنه فإنتاجهم يتوقف ولكن المشكلة الأكبر أن ذلك قد يحرم المجتمع فعلياً من منافسة شريفة أو ظهور من يستحقون أن يكونوا في واجهة مجالاتهم، وهنا لابد للجهات المختصة في العالم العربي سواء الرسمية أو إدارات تنظيم الغعاليات الثقافية من القطاع الخاص أن توسع من إداراتها الرقابية لتبحث في أصل أي عمل يقدم أو يرخص لمعرفة إذا ما كان فعلاً من إنتاج أو إبداع من قدمه أو أنه تقليد لفكرة أو نسخ لمؤلف عالمي قد يكون من دول ليس لها ذلك الارتباط العالمي الوثيق بما يسمح بانتشار أعمال مبدعيها وليس كحال دول أوروبا أو أميركا التي تعد أعمال ومؤلفات وشهرة مثقفيها الكبار عالمية ومنتشرة بما لا يسمح بأن ينقل أو يقلد أي أعمال منها، فالأمر سيكشف فوراً لأن أغلب مجتمعات العالم اطلعت على ثقافات تلك الدول، فالإنتاج الثقافي بكل المجالات هو واجهة حقيقية للدول ومعبر عن عمق وثراء ثقافتهم وإرثهم التاريخي والدول تنفق الكثير فعلياً لتوثيق تاريخها الثقافي وتدعم المثقفين كل دولة بحسب إمكاناتها وأنظمتها، وبالمقابل فمن المفروض أن يقدم المثقف والمختص عملاً من صميم أفكاره وتجربته مهما كان النقد حوله، فيبقى جهداً يشكر عليه، أما البحث عن الشهرة السريعة واختيار الطرق الأقصر فهذا سيحولك لشخص يظهر فجأة ويختفي سريعاً وإذا انكشف أن عملك ليس لك فهذا سيقصيك من الساحة بطريقة سلبية ومردودها النفسي سيء، كما قد يضع أي وسيلة اهتمت بعملك وصدقت أنه من إنتاجك في حرج إذا ما ظهرت الحقيقة، فعلى من يبحث عن مكانة له في مجال يحبه أن يجتهد لكي يصنع اسمه بالشكل الصحيح الذي يجعله راسخًا ببصمته في مجاله ومجتمعه.