ناهد الأغا
يُقبل الليل بعتمته وظلامه، ليستيقظ ما في النفس من ألم وذكريات حزينة، باعثة ما سكن في النهار، ليعود مثقلاً بهموم لا مثيل لها، مستشعرة بقول الشاعر الجاهلي امرئ القيس:
وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَه
علَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي
وتجدد الأمنيات بانفراج الصباح، لعل مع إشراقة الشمس، وبزوغ نور النهار جلاء ومغادرة بلا رجعة، ولا أزال مبحرة في معلقة امرئ القيس، يقول:
أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجلي
بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ
يا للفؤاد وجراحه حينما يشعر أن الحزن مقيمٌ لا يغادره، وباق بظلال ثقيلة لدرجة كبيرة، وكأن الوقت خلال ذلك يسير بطيئاً يرفض المضي والانتهاء، ذلك ما عبر عنه الشاعر إيليا أبو ماضي، وأنشد قائلاً:
وإذا الفتى لبس الأسى ومشى
فكأنما قد قال للزمن اقعد
فإذا الثواني أشهر، وإذا الدقائق
أعصر، والحزن شيء سرمدي
وإذا صباح أخي الأسى أو ليله
متجدد مع همه المتجدّد
آه، كم أشعر وكأنني شربت كأساً من الآلام، وأتجرع مرارة مذاق طعم القسوة، التي تتنزل كالموت الزؤام على البدن الضعيف، الذي لم يعد بمقدوره التحمّل أكثر، فتخرج الأنات من الأنفاس المتقطعة، لدرجة لا يكاد يسمعها من هو بجواري، وتبقى غصات داخل قلبي المسكين، في هذه الأثناء كم أحسست بكلمات قصيدة الأمير الشاعر خالد الفيصل آل سعود «دايم السيف» (الونه):
أون ورياح الليالي توِّني
والبرد في جوفٍ كما الغار خاوي
ما كن لي قلبٍ ولا عقل كني
جذع وقف في وجه الايام ذاوي
وبي عبرةٍ محبوسةٍ تمتحني
في عيني وحلقي وصدري شكاوي
وبي من قديم الوقت جرح مكني
وبي من جديد أيام وقتي مكاوي
إن قلت زانت خالف الوقت ظني
وإن قلت هانت عاجلتني بلاوي
أجامل أيامي ولا جاملني
هامت بي الدنيا هيام الخلاوي
الوقت جاير والليالي اسهرني
والحزن ما بين الضلوع متلاوي
أون وكلٍ يحسب إني اغني
عليل وكلِ يحسب إني مداوي
حالي وشعوري، الذي أحياه كأنما قيلت هذه الأبيات لذاتي العليلة، التي تحبس في القلب غصات وغصات، وتحبس في عيوني الدموع، التي أحاول بكبرياء ألا أخرجها، أحيا الأمل بالقادم وجميل الظن بما في الأيام القادمة، التي تأتي وتمضي ويتعمق الجرح البالغ في نفسي، وأبحث عن علاج ناجع، يداوي هذه الجراح، التي حتى الكي آخر الدواء لم يجد نفعاً، فالجرح في داخل المهجة والنفس وكيف سيصل العلاج إلى المساحات الجريحة الشاسعة في القلب، ويا ليت الساعات والأيام ذات إحساس وإدراك، وتشعر بما في داخلي، وتبادلني شعورها تجاهها بعظيم الصبر والتأسي، حتى وإن ارتسمت البسمات على شفاهي، وتعالت أصواتي بالضحك، فإنها لألم مستقر بالفؤاد، ولا عجب ذلك، فالطير حين يجرح يرقص لكنه يرقص من شدة الألم والجراح، وليس يرقص فرحاً وطرباً، حقاً فيَّ أنين بالغ يصدر بقوة لا يسمعها سواي، عشت أجواء أبيات هذه القصيدة وعاشت في داخلي، ونطقت بحالي دون أن أن أهمس وأنطق بحركة بسيطة.