رقية نبيل
أكثر ما يخيفني بشأن التسعة والعشرين أنك لم تعد صغيرًا بعد الآن، مهما قمت من أعمال وأيًا كانت هذه الأعمال على درجة من الأهمية أو العظمة فإنها لن تكون إنجازًا حقيقًا، فمن الطبيعي أن تصل لهذه المرحلة وأنت في هذا العمر، من الطبيعي أنك تنجز، من الطبيعي أن تصل فما بالك بمن لم يصل؟! فكرة أنك لم تعد صغيرًا وليس في العمر مزيد سنوات لتتخبط وتخطئ وتطرق الأبواب الخاطئة وتنزلق في منعطفات تحيد بك عن الطريق الذي تبغيه، ليس هناك عشر سنوات عشرينية أخرى في رصيدك تنفقها على اختيارات لا تعلم إلى أين ستؤول بك، ليس هناك وقت لمزيد من الأخطاء! كم هذا مخيف!! عليك أن تكون أكثر دقة هذه المرة، عليك أن تحسن الاختيار، لن تستطيع أن ترمي عثراتك وزلاتك وتحملها فوق كاهل قلة الخبرة أو حداثة السن أو محض تجربة جديدة بعد الآن، لا! اليوم أنت مطالب بأن تكون راشدًا، مسؤولًا، مُحاسبًا على كل خطواتك، وهذا الرقيب المحاسِب ليس المجتمع، ليس الدين لأنك محاسبٌ من قبله منذ تبلغ، ليس الأهل، ولكنه أنت، فقط أنت، نفسك التي تجلد نفسك عشر مرات كل يوم، والسوْط ليس بيد أحد إلاك، أنت من ستجزع إذما أخطأت مجددًا، أنت من لن يتحمل خطأً جديدًا واختيارًا أخرق آخر وعلاقة عاطفية مهدورة ثالثة، لا، لا ياصاحبي، ليس في العمر بقية. في المسلسل الأمريكي الكوميدي العائلي full house، كان بوب ساجيت، الأب الشاب للفتيات الثلاث مرعوبًا من فكرة تحوله لعمر الثلاثين، ويتمنى أن يمسك بكل ساعة عن أن تتحول إلى الساعة التي تليها كي لا ينقلب الرقم، العمر، سنواته إلى الثلاثين، إليكم ما يشعرني بالذهول: بوب ساجيت توفي منذ وقت قريب، هذا المسلسل كان في أوائل التسعينات، وبرغم هذا فهو يصف بدقة ما أشعر به حاليًا، الأمر الذي يدعوني للتفكير فيما فكرت به بالفعل لمئات المرات، وهو أننا نشبه بعضنا بعضًا، أننا بشر في أي زمان من عمر الأرض، إن كنا في القرن السابع قبل الميلاد، أو في الخمسينات، أو في التسعينات، أو كما نحن حاليًا في القرن الحادي والعشرين، يدعوني أيضًا للتفكير بأن العمر ماضٍ لا محالة، شئت أم أبيت، وأن الدقيقة التي تمضي مُحالٌ استردادها، كل يوم، كل ثانية بمجرد عبورها ترحل عنّا، تغدو منتمية لعالم آخر ليس بمقدورنا زيارته بعدئذ سوى كذكرى، وحتى هذه الذكرى ليست دائمة، ما هي خلا ظلّ، بقايا، تتلاشى من أذهاننا وتُمسي أبهت فأبهت كل لحظة، تدعوني للتفكير أن العمر قصيرقصير جدًا في الواقع، وأن العجوز الستيني أو السبعيني الذي تراه لا يختلف عنك كثيرًا، ولا يفصل بينكما سوى بضع خطوات قصار ليس إلّا، تدعوني للتفكير أننا مهما كبرنا نظلّ أطفالًا، نعرف قليلًا للغاية ونجهل كثيرًا للغاية، ودائمًا في حاجة لليد التي تمسك بنا وتعاوننا على المضي قدمًا.