خالد بن حمد المالك
المملكة تتجه إلى التطبيع مع إسرائيل إذا ما تم الاتفاق على شروط الرياض، وهذا يقودنا إلى التذكير بأن المملكة كانت سباقة في دعم المجهود الحربي العربي، متمسكة بما يكفل حقوق الفلسطينيين، داعمة للفلسطينيين وللعرب على جبهات القتال، بل ومشاركة سواء باستخدام سلاح النفط في الحرب مع إسرائيل، أو بتمكين دول الجوار لإسرائيل في الحصول على متطلباتها بدعم شراء ما تحتاج إليه من أسلحة، بل إن الدعم المالي الأكبر الذي تتلقاه السلطة الفلسطينية يأتيها من المملكة، بالإضافة إلى ما كان من مشاركة لبلادنا بقوات عسكرية سعودية في حربي 1948 و1967م.
* *
وعندما تتجه المملكة إلى التطبيع مع إسرائيل، فهي بذلك تنطلق من تاريخ مشرف في دعم القضية الفلسطينية، وترى أن المستجدات إقليمياً ودولياً تتطلب المبادرة بأخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، حتى لا يجد الفلسطينيون أنفسهم بلا حقوق، وحتى لا يستمر التفريط في الفرص واحدة بعد أخرى لصالح إسرائيل، دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل لتحقيق المطالب الفلسطينية، خصوصاً مع حالة التشرذم والنزاعات بين الفلسطينيين أنفسهم، وعدم وجود رؤية واضحة ومتفق عليها فيما بينهم للحصول على الحد المقبول من حقوقهم، في ظل تعنت إسرائيل ودعم دول العالم لها، وتعقيد قيام الدولتين كلما امتد الوقت زمنياً على صدور قرار الشرعية الدولية بهذا الخصوص.
* *
وللتذكير أيضاً، فإن المملكة لم تتخل يوماً، منذ النكبة عن دورها في مناصرة القضية الفلسطينية، ولعل تبنيها خارطة الطريق المتمثلة في مبادرة السلام التي أطلقها الملك عبدالله -حين كان ولياً للعهد- كمشروع عربي «للسلام» في القمة العربية في بيروت في مارس عام 2002م لحل النزاع العربي الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في عام 1967م، يظهر الرؤية السعودية الصحيحة -آنذاك- لإمكانية حل هذه الأزمة المعقدة، وما يؤكد موقف المملكة الداعم للفلسطينيين ما تقدم به الملك فهد «من مبادرة لمشروعه للسلام» لمؤتمر القمة العربية الذي عقد في مدينة فاس المغربية عام 1982م ووافقت عليه الدول العربية، بل إن المملكة مضت ضمن اهتمامها بالقضية الفلسطينية إلى محاولة نزع فتيل الخلاف بين فتح وحماس، ولمّ شمل الفرقاء في مكة المكرمة في عام 2007م، وقد أثمر هذا الاجتماع عن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، غير أنه لم يتم الالتزام بها.
* *
وكذلك كان دعم المملكة السخي الذي لم يتوقف يوماً، فعلى سبيل المثال قدمت المملكة تبرعاً سخياً في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1967م، كما التزمت المملكة في قمة بغداد عام 1978م بتقديم دعم مالي سنوي للفلسطينيين قدره مليار وسبعة وتسعون مليوناً وثلاثمائة ألف دولار، وذلك لمدة عشر سنوات (من عام 1979م وحتى عام 1989م).
وفي قمة الجزائر الطارئة عام 1987م قررت المملكة تخصيص دعم شهري للانتفاضة الفلسطينية مقداره 6 ملايين دولار، كما قدمت المملكة في الانتفاضة الأولى عام 1987م تبرعاً نقدياً لصندوق الانتفاضة الفلسطيني بمبلغ مليون وأربعمائة وثلاثة وثلاثين ألف دولار، وقدمت مبلغ مليوني دولار للصليب الأحمر الدولي لشراء أدوية ومعدات طبية وأغذية للفلسطينيين.
* *
تعهدت المملكة بتمويل برنامج إنمائي عن طريق الصندوق السعودي للتنمية، بلغ حجمه ثلاثمئة مليون دولار، يهتم بقطاعات الصحة والتعليم والإسكان، تم الإعلان عنه في مؤتمرات الدول المانحة خلال الأعوام 94- 95- 97- 1999م، بالإضافة إلى الإعفاءات الجمركية للسلع والمنتجات الفلسطينية. وقد أوفت المملكة بكامل مساهماتها المقررة حسب قمة بيروت مارس 2002م لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية، وما أكدت عليه قمة شرم الشيخ مارس 2003م بتجديد الالتزام العربي بهذا الدعم، حيث قامت بتحويل كامل الالتزام، وقدره 184.8 مليون دولار للفترة من 2002م- 2004م. كما أوفت بكامل التزاماتها المقررة حسب قمة تونس مايو 2004م الخاصة باستمرار وصول الدعم المالي لموازنة السلطة الفلسطينية لستة أشهر، تبدأ من أبريل حتى نهاية سبتمبر 2004م، حيث قامت بتحويل كامل المبلغ، وقدره 46.2 مليون دولار.
* *
وبادرت المملكة في مؤتمر القمة العربية في القاهرة 2000م باقتراح إنشاء صندوقين باسم صندوق للأقصى، وصندوق انتفاضة القدس برأسمال قدره مليار دولار، وتبرعت بمبلغ 200 مليون دولار لصندوق الأقصى الذي يبلغ رأسماله 800 مليون دولار، وتبرعت بمبلغ 50 مليون دولار لصندوق انتفاضة القدس الذي يبلغ رأسماله 200 مليون دولار. كما اهتمت حكومة المملكة بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، حيث قدمت المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين مباشرة، أو عن طريق الوكالات والمنظمات الدولية التي تعنى بشئون اللاجئين مثل الأنروا، ومنظمة اليونسكو، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الدولي، والبنك الإسلامي، كما أن المملكة منتظمة في دفع حصتها المقررة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأنروا، المتمثلة في مساهماتها السنوية البالغة مليونين ومائتي ألف دولار لميزانية الوكالة، وقدمت لها تبرعات استثنائية بلغت حوالي ستين مليوناً وأربعمائة ألف دولار، لتغطية العجز في ميزانيتها وتنفيذ برامجها الخاصة بالفلسطينيين.
* *
هذا شيء من دعم المملكة للقضية الفلسطينية، أما الدعم غير المنشور في مواقع التواصل فهو لدى وزارة المالية السعودية، التي تلتزم بسياسة المملكة بالتحفظ عليها، وعدم التوسع في نشرها، حتى لا يفسره بعضهم بأنه من باب المنّ على الأشقاء، ومع ذلك فإن المملكة لم تسلم يوماً من بذاءات بعض الصحفيين والكتّاب وخطباء بعض المساجد الفلسطينيين، لكن هذا الإسفاف لم يغير من موقف المملكة، أو يثنيها عن دعم الشعب الفلسطيني وقضيته، والتطبيع إن تم سيكون لصالح الفلسطينيين، وسيكون حدثاً تاريخياً بحجم وأهمية القضية الفلسطينية.
(يتبع)