فادي محمد الدحدوح
منذ فترة قريبة أصبحنا في وقت يندر فيه عدم حدوث أزمات أو كوارث مؤثرة تطول المجتمعات وتحدث تغييرات وتأثيرات كبيرة في كافة قطاعات وأنظمة المجتمع، بل إن بعض الأزمات والكوارث كالزلازل والأعاصير والفيضانات التي شهدتها المجتمعات العربية في سورية وليبيا والمغرب العربي أحدثت تأثيرا عظيما طويل الأمد على مستوى الدولة والأفراد والمنظمات، بل حتى أن تأثير الأزمات والكوارث المؤثرة في كثير من الأوقات يمتد ليطول المجتمع الدولي وينعكس سلبيا على واقع ومستقبل المجتمعات.
أصبحت الأزمات والكوارث سمة أساسية للمنظمات المعاصرة في الألفية الثالثة في البيئة الديناميكية، وأصبح كل تنظيم لا ينجو من تأثير تلك الأزمات والكوارث مهما كانت درجة تأثيرها، وبالتالي زاد الاهتمام بالتخطيط الاستراتيجي كأسلوب علمي في مواجهة الأزمات والكوارث والتكيف مع التغيرات المفاجئة وغير القابلة للتوقع المسبق، فالتخطيط الاستراتيجي لمواجهة الأزمات والكوارث يعد ركيزة المنظمات لاكتشاف فرصها المستقبلية وتجنب التحديات التي تقع علي مستوى المنظمة والدولة، كما يسهم بشكل فاعل على التأقلم جيدا مع البيئة الخارجية والداخلية للمنظمات، وبالتالي زيادة كفاءتها وفاعلية مخرجاتها.
الحقيقة التي يجب أن نقف أمامها كثيراً كي ندركها جيدا هي عدم وجود دولة في العالم محصنة تماماً من الأزمات والكوارث، كما أن أسباب حدوث تلك الأزمات والكوارث قد تأتي عن فشل مفاجئ أو عوارض أو إهمال، كما أن بعض الأزمات والكوارث تحدث خارج نطاق سيطرة الإنسان كالزلازل والبراكين والأعاصير، وبالتالي وجب على المنظمات الاستعداد جيدا للمواجهة، وتكون المواجهة بوضع خطط واستعدادات مسبقة للتعامل مع شتى الأزمات والكوارث المتوقع حدوثها، وعلى هذا الأساس يجب تكوين وحدة متخصصة بإدارة الأزمات والكوارث بحيث تكون وحدة إدارية لها كيانها ومسؤولياتها وتضم فريقا متميزا يمتلك الأدوات والمهارات والتدريب والخبرة الكافية والمناسبة.
إن امتلاك القوة من عوامل النجاح في مواجهة الأزمات والكوارث وإحداث التأثير المطلوب في المحيط المحلي والدولي وفقا لنطاقها، كما أن التعامل مع الأزمات والكوارث يتطلب التفوق في السيطرة على أحداثها، من خلال المعرفة الكاملة بتطوراتها، ويتم ذلك بأسلوب علمي إداري متقن لتفادي أضرارها أو تقليل خسائرها، ووجود نظام فعال للإنذار المبكر من أجل الوقاية من الأزمات والكوارث، والاستعداد الأمثل للتعامل مع الأزمات والكوارث التي لا يمكن تجنبها في حال حدوثها، وضرورة التقييم والمراجعة الدورية لخطط إدارة الأزمات والكوارث، واختبارها تحت ظل ظروف مشابهة لحالات الأزمات الفعلية.
قد تعجز القدرات المُتاحة عن مواجهة الأزمات والكوارث الناشئة، فيتحتم الاستعانة عليها بمساندة خارجية تضاعف الطاقات والقدرات على مواجهتها، بل تساعد على اتساع الرؤية والشمولية والتخصص وتكامل المواجهة، كما يجب الاستعداد لتلقي الصدمات ومواجهة الأزمات والكوارث مع القدرة على تحمل المسئولية، وذلك من خلال تفسير المواقف وتحليل المعلومات المتاحة، وتطوير قدرات تشخيص المسببات، وتنمية مهارات خلق بدائل جديدة وحلول جذرية، والعمل على تخفيف حدة الأزمات والكوارث بوضع الاستراتيجيات والخطط التكتيكية الواقعية، وإنشاء آلية للمواجهة من خلال مراكز وشبكة فاعلة للمعلومات والاتصال والدعم تكون قادرة على تحقيق التكامل بين الأنشطة، وتوفير المرونة واللامركزية، والتنبؤ بالاحتمالات المستقبلية المختلفة، وعقد اجتماعات دورية ومستمرة، وتحديد الأدوار.
يمكن القول إن التفوق في مواجهة الأزمات والكوارث عربيا يتطلب التفوق والتمتع بكفايات التخطيط والتنظيم السليم والتوجيه والمتابعة وتقويم الأزمات والكوارث عبر منهجية علمية دقيقة وإعداد خطط لإدارة الأزمات والكوارث، وإعداد فريق إدارة الأزمات والكوارث ومعرفة الإمكانات المتاحة وتعزيز التعاون عربيا ودوليا، والاستفادة المثلى من القدرات المحلية وتطويرها، ومعالجة كافة نقاط الضعف والخلل والقصور في الجاهزية للتعامل مع الأزمات والكوارث وقت حدوثها، كما يجب معرفة كافة جوانب وتأثيرات الأزمات والكوارث، ودراسة الظروف البيئية المحيطة جيدا، وتحسين قنوات الاتصال وإدارة أنظمة المعلومات بكفاءة، وايجاد تقنية موجهة للحالات الطارئة التي لا يمكن تجنبها من خلال تقنية السيناريوهات المستقبلية، ويتوج ذلك بوجود قيادة حكيمة تتصف بالكفاءة والفاعلية كأهم الركائز الأساسية للمنظمات الناجحة في مواجهة الأزمات والكوارث والتفوق عليها.