نجلاء العتيبي
جال في فكري مشهد قديم مع صديقاتي الصغيرات اللاتي كنَّ يلعبن معي لُعبتنا المشهورة «القفز على الحبل» بعد أن لمحت فتياتٍ يلعبن لعبة حديثة على أجهزتهنَّ الإلكترونية بأعصاب متوترة، وعضلات متشنجة بصمتٍ، وانفردت كل واحدة في عالمها الوهمي، تجمعهنَّ جدران المكان، ويفرقهنَّ جهاز بليد، يتحاورن بهزِّ الرأس فقط, لا ترفع إحداهن رأسها لحظة واحدة عن هاتفها الذكي، أيُّ تغريب عن النفس هذا؟ وما هذا الهوس والتمجيد؟
أذكر أننا كنا نهتمُّ باللعب كفريق واحد متعاون، ببهجة مشتركة في كل الألعاب، بكل سعادة ونشاط، بالقدر الذي يجعلنا ننعم بنوم هادئ، وصحة ممتازة.
اندثرت لعبتنا المحبوبة مع اندثار العديد من الألعاب التي تعتمد على الحركة والنشاط، والجهد البدني.
غياب ألعابنا البسيطة عن مشهد حياتنا، وسيطرة الألعاب الإلكترونية وانتشارها في منازلنا، وسهولة الحصول عليها، وتواجدها بكثافة مرعبة في أيدي أطفالنا أسهم في عزلتهم عن واقعهم الحقيقي الحيِّ مقابل حياة أخرى جامدة بديلة افتراضية.
اللعب النشط مع جماعة ضروريٌّ للطفل ذهنيًّا، وبدنيًّا، وضرورة فسيولوجية.
تنمِّي الطفل حيويًّا وجسديًّا، تُعوِّده على روح المبادرة، والعمل المنظم مع الجماعة، والالتزام بالقواعد، والاهتمام بالآخرين.
«للعب أهمية تربوية، واجتماعية، وعقلية، ونفسية، وعلاجية؛ إذ يُفسح المجال للشخص للتعلُّم وتحقيق القدرات، ويساعد في نمو الكلام والتفكير والتخييل، وتنمية الخصال الحميدة، والتخلص من الأنانية، والتمركز حول الذات، فيُنمِّي اللعب حب الاستطلاع، والفاعلية، والتعلم من الخبرة، والروح الجماعية.
2. يُزوِّد اللعب الفرد بانطباعات جديدة من خلال إحداث التفاعل مع عناصر البيئة، وإدراك معاني الأشياء والمفاهيم، وفي اللعب مجال لتنمية قواعد السلوك والنظام حتى في حالات التعرُّض لمواقف غير مألوفة، واللعب ينمي القدرة على ترفيه النفس، وتسليتها في قضاء وقت الفراغ.
3. يُنمِّي اللعب النواحي الجسمية من خلال الممارسة؛ فيقوي العضلات، ويُنشِّط الدورة الدموية، فيؤدي إلى تعلم مهارات حركية جديدة.
4. يساعد اللعب على التخفيف من الضغوط، والتوترات السلبية، والإحباط، والصراعات، ويُقلِّل من حدة المخاوف في حياة الأطفال، ويساعد على تفريغ الرغبات المكبوتة، والنزعات العدوانية، وينمي الابتكار.
«عفاف اللبابيدي - سيكولوجية اللعب».
يتوجب علينا ألا نستهين بتأثير الألعاب على أبنائنا، فهي إحدى مصادر الثقافة الاجتماعية القوية التي تزرع فيهم الميول والنزعات.
ولا نغفل عن توجه بعض الألعاب لترويج الجريمة والعنف والعدوانية لغاياتٍ أكبر مما نتوقع، هي ليست لعبة فقط, ناهيك عن التداعيات السلبية الكثيرة التي ستتركها على صحتهم بسبب الكسل، وعلى سلوكهم العام.
ضوء
«يحتاج الأطفال إلى الحرية والوقت للعب، اللعب ليس رفاهية، اللعب ضرورة».
- (كاي ريدفيلد جاميسون)