خالد بن حمد المالك
منذ سبعين عاماً وإلى اليوم ظلَّتْ القضية الفلسطينية هاجسَ العرب والفلسطينيين، ومحورَ مداولات بين دول العالم، ومزايدات عليها، وظلمًا للفلسطينيين، وأحداثاً لم يشهد التاريخ ما يماثلها، وظلتْ على هذا الوضع تراوح مكانها، والمؤامرة عليها تكْبُر وتتسع، والقدرة على استرداد الحقوق تتلاشى، وما كان يرفضه الفلسطينيون من حلول، أصبحوا يقبلون بما هو أقل، وحتى هذا لم يعد تحقيقه متاحاً أو ممكناً.
* *
فرَّط الفلسطينيون في أزمنة مختلفة بكلِّ الفرص التي كانت متاحةً، بخلافاتهم المزمنة، واهتمام بعض القادة والمسؤولين النافذين في فلسطين بمصالحهم الشخصية على حساب الوصول إلى حلول يمكن تطبيقها على الأرض، حلول ليست خيالية، وإنما كانت في حدود الممكن، وبفشل المحاولات العربية في تحقيق أماني الشعب الفلسطيني في حربي 1967 و1973 ازداد التوسع والسيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية دون أن تكون لأي من التطبيعات العربية مع إسرائيل أي فرصة لإظهار تل أبيب المرونة المطلوبة، وإعطاء تنازلات تاريخية تنهي هذه الأزمة التاريخية.
* *
خلال الأيام الماضية ظهرت مؤشرات وبوادر إيجابية مهمة محورها تطبيع المملكة مع إسرائيل وفق شروط، حدَّد بعضَها وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان، ودخل في شيء من التفاصيل رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعض الكتَّاب والمحللين السياسيين، وكانت في مجملها تسير نحو تحقيق السلام الذي يحفظ للفلسطينيين الحقوق المتاح تحقيقها، وذلك بالاعتماد على الرئيس الأمريكي ودوره في إقناع الجانب الإسرائيلي بالتخلي عن تصلبه وإصراره مع حكومته على عدم القبول بالشروط السعودية التي تضمن للفلسطينيين حياة كريمة.
* *
تذكروا أن من كان يتحدث عن التطبيع مع إسرائيل يوصَمُ بالخيانة والتفريط بالقضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، لكن مثل هذا الاتهام سقط باعتراف السلطة الفلسطينية بالدولة الإسرائيلية من خلال أوسلو والتوقيع على ذلك في البيت الأبيض بحضور رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل بيجن، وما سبقه من إلغاء للدستور الفلسطيني الذي كان لا يعترف بالدولة الإسرائيلية، غير أن إسرائيل لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه، بل إنه تم اغتيال بيجن وعرفات لإبرامهما الاتفاق بأسلوبين مختلفين من قبل إسرائيل، رغم أنهما فازا مناصفة بجائزة نوبل تقديراً لدورهما في الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني.
* *
مشكلة القضية الفلسطينية المعقدة مع إسرائيل، أن حلَّها موضع خلاف بين الفلسطينيين، وخلاف آخر بين الإسرائيليين، والمشكلة الخلافية الأكبر هي لدى الفلسطينيين، إثر انقلاب تنظيم حماس على السلطة الفلسطينية، واستفرادها بغزة، مدعومة من إيران وغير إيران لإضعاف الموقف الفلسطيني التفاوضي إلى أن وصل الحال بها إلى ما هي عليه اليوم، فأصبح الوضع لا يشكِّل خطراً على الفلسطينيين، وإنما قد يمتد هذا الخطر وعدم الاستقرار إلى كامل دول المنطقة، دون أن يحقق للفلسطينيين أملهم في دولة على شيء من الأراضي الفلسطينية.
* *
تحديداً، نحن الآن أمام تحوُّل جديد، باتجاه المملكة نحو التطبيع مع إسرائيل إذا نجح الرئيس الأمريكي في إقناع الإسرائيليين بالقبول بشروط المملكة التي تمنح للإسرائيليين حقوقهم في حدود الممكن والمعقول، وتفتح الطريق أمام تعاون إستراتيجي سعودي -أمريكي أوسع خدمةً للسلام في المنطقة، مع تحسين الوضع لدى الفلسطينيين وأراضيهم، بدلاً من استمرار الاحتلال، وترك الحالة الفلسطينية وحلها في مهب الريح.
(يتبع)