عبده الأسمري
تمثل الهوية العنوان الأمثل والمعنى السامي والاتجاه الموحد الذي يعكس رقي وتنمية الإنسان ونماء وتطور المجتمع وسمو وسواء السلوك، ويبقى الحفاظ عليها مسؤولية فردية ومجتمعية ووطنية تعكس أهمية الالتزام وحتمية الانضباط من قبل الفرد والجماعة، لأنها تمثل اتجاهات الأزمنة ودلائل الفلاح في الماضي والحاضر والمستقبل.
يتعالى صوت العداء والبغض في أنفس أعداء النجاح وزبانية الباطل، الأمر الذي يعمق الحقد والحسد وينمي في أنفس مرضى السلوك كل الحيل التي تشتعل في أعماقهم إمعاناً في تلويث أجواء الصواب وتعكير صفو المنطق سعياً إلى تنفيذ أجنداتهم، وهو ما يعني أهمية «التصدي» لمنع أي فتن تحيط بالمجتمع وتنوي المكوث في جنباته كظواهر اجتماعية أو أورام سلوكية يصعب اجتثاثها إذا قوبلت بالصمت.
مع موجات «التغير» و»التغيير» و»التبدل» و»التحول» يجب أن يقابلها مسالك تعتمد على التكيف والمرونة والمواءمة في مجالات «الثبات» و»المقاومة» و»الصلابة» أمام جبهات تنتظر «ثغرات» الحرية لتمرير «الأخطاء» عبر تصرفات فردية تسيء للمجتمع وتشوه انتماء الإنسان وترمي بظلالها السلبية على مساحات «الهوية».
فقد رأينا ناكري النعم وجاحدي المعروف ممن أكلوا من «خيرات «بلادنا وبعد أن شبعوا طغوا على نعمة الأمن وغنيمة الرزق وهبة الاستقرار فرأيناهم ينثرون أحقادهم عبر الفضاء ووسط ساحات الإنترنت للنيل من وطن عظيم وقيادة متفضلة، وشاهدنا ما حصده أولئك الجاحدون من «غنائم» مالية ومعنوية واجتماعية طالت حتى عشائرهم وسلالتهم ولكنهم من أقوام تمرست على «عض» الأيادي البيضاء بأفواه تستحق اللجم فيما حدث وأخرى يستوجب أن تتخذ من سابقتها عبرة منعاً لهجمات جحود متجددة عنوانها الحقد وتفاصيلها الخبث.
شاهدنا قنوات فضائية تجمع «المتردية والنطيحة» من بلدان مجاورة أو آخرين من المجنسين دخلوا بلاتوهات التصوير بتمويه الشعارات الوهمية، ونوع ثالث ملؤوا اليوتيوب بالمقاطع، وآخرون أشغلونا لسنوات بالتمثيل في المسلسلات والأفلام وبعدها مارسوا الدور ذاته في العيش والتعايش والواقع، ورأينا «وقائع» العداء في حساباتهم الشخصية ودلائل التجني في سلوكياتهم المجتمعية، وتأكدنا من حجم الحقد الدفين الذي أظهروه، وبعضهم قد تم ضبطه وآخرون على يقين أنهم تحت مجهر الرقابة.
لدينا في حسابات التيك توك والسناب شات المئات من الجنسين ممن امتهوا «صناعة» التفاهة على حساب القيم والهوية واستغلوا الحرية في نشر الفتن بحثاً عن المال، وقد يكون الكثير منها مدعومة من «خلايا» خارجية تخطط لتشوية واقع السلوك الوطني وتسفيه الجيل الحالي وتنتظر القادم بحيل مماثلة، وهناك من يتخذون من الأطفال والكبار والشباب والأسرة والذات والقبيلة والشكل والطار مرتعاً لنشر التفاهات والسخافات التي أصابت الأجيال في مقتل «السلوك» فانتشر السخف، الأمر الذي يجعل مخرجاتنا في التعليم والتدريب والتوظيف عرضة لموجات مستمرة من الإساءة للهوية والتعدي على الأصول والتجاوز على المسالك.
وما نراه من تجاوزات فقد بات أمراً يقتضي العقوبة والردع والإيقاف، فهنالك من يتخذ الوطنية عنواناً لتفاصيل مسلكية خاصة به ومسيئة لغيره، وفي النهاية يحمل في أوراقه هوية وطن وفي سلوكه هيئة مواطن، ورأينا الموجات المتلاطمة من المسالك المؤلمة تعتلى الفضاء وآن الأوان لوقفها بلوائح الذوق العام وبنود الإساءة إلى المجتمع وأنظمة التعدي على حياة الآخرين بمسالك تبدد راحتهم وتشوه عيشهم.
لقد أمعن تجار المال والطامعون في الدخل من التجار ورجال الأعمال في تسخير التفاهة لخدمة مصالحهم عن طريق جلب «التافهين» لنشر إعلانات سلعهم وترويج بضاعتهم، وأرى أن هنالك الكثير من الثغرات التي تقتضي معاقبتهم نظير الترويج لبضائعهم بالباطل، والدلائل في ذلك موجودة وحاضرة وتقتضي التدقيق والتحقيق والتقصي، إضافة إلى أن هذه الإعلانات مسيئة للمجتمع وتجر وراءها الكثير من راكبي موجات «التخلف».
لدينا ثلاث فتن حقيقية تتعلق بالعداوة والتفاهة والحرية تقتضي المواجهة والمجابهة الحقيقية عبر فرض الأنظمة وتأصيل الانتماء ومنع الأخطاء وسن «قوانين» رادعة فاعلة سريعة، ويقابلها برامج ومناهج ومنهجيات في التوعية والتثقيف مع نشر مستديم للعقوبات وتوحيد لها وتسريع لإنجازها حتى نصل إلى وقف هذه التحديات والانشغال بالمضي في دروب التقدم والتحضر والازدهار من خلال السباق المستديم مع ضرورة أن يكون هنالك «كتائب» تحرص قوافل التقدم من كل الاتجاهات.