عبده الأسمري
في شخصيته تجلت الحكمة واستجلت الحنكة. وبين سيرته علت همة «خدمة الإسلام» واستعلت مهمة «الدعوة والخير».
امتلك شخصية مركبة جمعت العلم الشرعي والتخطيط العملي فأبقى سيرته ناصعة يانعة في ميادين العمل ومحافل المسؤولية.
يكمن في داخله «سر» الحسنى ويعلو على محياه «جهر» المحاسن مجللاً بضياء «المعروف» ومكللاً بإمضاء «العرفان».
رافع راية «اليقين» في حياة مكتظة بالمهام وحقق غاية «التمكين» وسط منهجية حافلة بالإلهام فظل يغترف من «مشارب» علمه ويستشرف من «أهداف» عمله.
إنه أمين رابطة العالم الإسلامي السابق عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي معالي الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي الذي صال وجال في المناصب على مدى عقود في الداخل والخارج واحد أبرز رجال الدولة وسفراء الدعوة بوجه تقي نقي يكسوه المشيب عمرا وقدرا ويسكنه الطيب سراً وعلانية ولحية بيضاء تكاملت مع ملامح ودودة وجادة في آن واحد وكاريزما تطغى عليها الروحانية وتغلب عليها السكينة وشخصية تتصف بلين الجانب وسمو التواصل ورقي التعامل وأصالة الفكر ونبل المقصد وسداد الهدف..
وصوت بلكنة مميزة وسكنة فريدة ينطلق من حنجرة بارعة في الخطاب مبدعة في الجواب تتقاطع فيه اللغة الفصحى مع مفردات من اللهجة البيضاء والمفردات العصماء يطل التركي اسما وطنيا بارزا في معادلة الوطن وفي اعتدال الدعوة وفي امتثال المنصب موجها بالخبرة ووجيها بالشهادات وواجهة للتأثير والتقدير المقترنين بالقدرات والإنجازات.
في المجمعة حاضرة «نجد» الفتية بزف النوابغ إلى معترك المسؤولية ولد في بلدة حرمة الغنية بمزارع الحبوب والنخيل عام 1359 وسط نهار ربيعي ملأ أرجاء المكان بعبير السرور وأثير البهجة وصدحت في أجواء عائلته المشهورة بالإرث الديني والممهورة بالأثر الشرعي نداءات «السرور» وامتلأ منزل عائلته بفحوى الخبر المبارك وشذى القدوم الميمون..
كان التركي طفلا يراقب جموع المتعلمين في جامع قريته وهم يتدارسون العلم الشرعي ومشروع نابغة كان يحفظ النصائح الأبوية ويتشرب التربية الأسرية ناهلا من أسرته الشهيرة بالعلماء والأدباء سر التميز وجهر الامتنان فعاش قريبا من أساتذته متقاربا مع خطوات مبدعة واثقة واثبة كانت تنقله بين المسجد والمدرسة والمنزل ملتحفا بدعوات والديه متحصنا بيقين إيماني متوشحا بأمنيات كان يحملها في حقيبته الصغيرة التي تحولت لاحقا لتكون حافظة مؤلفات وخزينة مقررات.
ظل يلقي على والديه كل مساء أحلام الطفولة التي تحولت بعد سنوات إلى أرقام البطولة التي جناها في ميادين العلم الشرعي ومضامين العمل التنموي.
واستمر يكتب أمنياته على كشكوله الصغير موثقاً بتوقيع «بريء وجريء» كان له بمثابة الاختبار المبكر للفلاح والبروفة الأولى للنجاح وظل يعمق في ذاته «مواعيد» الأمنيات حتى رتبها باتقان على «بوابات» التعلم حتى حصد «ثمار» المنافع من «استثمار» الدوافع في دروب علوم ومعارف ظل يفرشها بورود «الإبداع» ووعود «النبوغ «.
تلقى الدكتور التركي تعليمه الابتدائي ثم المرحلتين المتوسطة والثانوية بالمعهد العلمي في المجمعة وتتلمذ على يد كبار العلماء ونال إجازات علمية في علوم الشريعة واللغة العربية.
وقد تنبأ بنبوغه الكثير من المشائخ والعلماء نظير فلاحه ونجاحه وحرصه الكبير على حضور مجالس العلم ودروس الشريعة ومهارته في الحفظ والاتقان وتفوقه المبكر في حصد الامتياز من قلب التنافس.
ثم درس بكلية الشريعة ونال البكالوريوس ثم الماجستير من المعهد العالي للقضاء بالرياض بتقدير «ممتاز» ثم حصل على درجة الدكتوراه من كلية الشريعة والقانون من جامعة الأزهر ـ بمرتبة الشرف الأولى ـ عام 1392 هجرية برز التركي في عدة جوانب وسبر أغوار المناصب في اتجاهات بعد النظر وواجهات الفكر الاستراتيجي تعين في بداياته عضو هيئة تدريس بالمعاهد العلمية ثم مديرا للمعهد العلمي. وموجهاً في المعاهد العلمية. وأستاذا بكلية الشريعة ثم عميد كلية اللغة العربية بالرياض لمدة ست سنوات 1388 -1394 هجرية حرص خلالها على خدمة اللغة العربية في عدة مجالات ثم عين وكيلا لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لمدة عامين. ثم مديرا لها لمدة 18 عاما ثم صدر الأمر الملكي بتعيينه وزيرا للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من 1414- 1420 هجرية وتولى الإشراف على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. ثم مستشاراً بالديوان الملكي عام 1420 فأمينا لرابطة العالم الإسلامي لمدة 16 عاما من عام 1421-1437وأخيرا وبعد عقود من العمل والعطاء والإنجاز تعيينه مستشاراً في الديوان الملكي برتبة وزير.
للدكتور التركي دور كبير وإسهام في مجال التربية والتعليم في البلاد العربية والإسلامية والعالمية وله جهده مع أقسام الدراسات العربية والإسلامية ومراكزها في أوروبا وأمريكا، وشارك في تأسيس عدد من الموسوعات العلمية الحضارية وتنظيمها.
وكانت له مشاركات في المؤتمرات الدورية التي تعقدها الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الإسلامية في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا وأستراليا.
وتواصل مميز مع جسور وقامات العلم والفكر في العالم الإسلامي.
ارتبطت شخصيته بعشرات الجوائز الدولية حيث نال جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام 2002واختير علم 1423 كشخصية العام الإسلامية ونال جائزة الملك عبدالله الثاني للعلماء والدعاة عام 2003 وتسلم وسام فارس للاستحقاق الوطني في جمهورية بنين عام 2009م.
ووسام السابع والعشرين من يونيو بدرجة قائد عام 2009 في جيبوتي كما حصل على عدد كبير من الجوائز والأوسمة الأخرى.
الدكتور التركي محب للبحث عاشق التأليف حيث ألف أكثر من 12 مؤلفاً وعدد 29 كتابا من الكتب المحققة وعدد من الكتب والرسائل والمحاضرات والأبحاث نشرت في مناسبات عدة.
وله ظهور إعلامي مميز لا يزال مرجعا للعديد من النقاشات ومن الرؤى حيث ظهر في أكثر من برامج إذاعية ومتلفزة كان فيها موجها وحكيما وعالما يسير بين السداد والتقارب ويمضي خلال قواعد علمية ثابتة ونقاش يحترم الآراء ويفند الأخطاء ويفصل الحقائق.
التركي عضو بهيئة كبار العلماء ولديه عشرات العضويات الداخلية في مجالس ولجان ومؤسسات وجمعيات وشارك رئيسا وعضوا في أكثر من عشرين جهة دولية ما بين مجالس امناء ومجالس تنفيذية وعليا في جامعات وهيئات ومراكز علمية ومعاهد وجمعيات.
يمتلك التركي خبرات عريضة وإنجازات مديدة قوامها «النبل» ومقامها «الفضل» مما جعله ضيفاً مستديماً على منصات «الانفراد» بأعمال دؤوبة وأفعال دائبة بنى بها «صروح» المكانة ورسخ بها «أصول» الأمانة ليكون «المكين» الأمين في عوالم «الاقتدار» ومعالم «الاعتبار».
الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي رجل بقامة فريق عمل ومستشار بقيمة لجنة مشكلة وقيادي بروح جماعة متحدة خلد اسمه في ذاكرة العمل الريادي وذكرى المحفل القيادي وفي خدمة الاسلام والمسلمين.