د.أحمد بن عبدالله بن حمد السناني
يجهل البعض أن تاريخ هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ووصوله إلى يثرب (المدينة المنورة) هو يوم الجمعة 12 ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة الموافق 27 سبتمبر 622م وليس اليوم الأول من محرم.
لكن ما هي أهمية ونتائج الهجرة المحمدية وهذا اليوم للإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء؟
الجواب هو:
1 - نجاة الرسول صلى الله عليه وسلم من الطلب والاغتيال بوصوله سالما إلى يثرب حيث إن قريشا كانت قد وضعت مائة ناقة لمن يحضره حيا أو ميتا.
2 - وتأسست في المدينة المنورة دولة وعاصمة للإسلام لأول مرة في التاريخ.
3 - وأصبح الرسول محمد عليه الصلاة والسلام مؤسسا وقائدا للدولة الإسلامية وجيشها ورمزا عالميا خالدا بعد أن كان نبيا مكذبا ومحاصرا ومهددا في بلده مكة.
4 - أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتأريخ بعد قدومه إلى المدينة مباشرة واستعمل تاريخ الهجرة مرجعا في رسائله إلى الملوك والأمراء ورؤساء القبائل واعتمد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العام 17 للهجرة يوم الأول من محرم للعام الأول من الهجرة بداية للتقويم الإسلامي الهجري بعد تشاور مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعدد من الصحابة.
5 - تم تأسيس وبناء مسجد قباء في أطراف المدينة وهو أول مسجد في الإسلام في يوم الاثنين 8 ربيع الأول الموافق 23 سبتمبر 622م وهذا هو التاريخ الفعلي لوصول الرسول وصاحبه (الهجرة) وباشر الرسول عليه الصلاة والسلام بناء المسجد النبوي في المدينة المنورة حال تحوله إليها في يوم الجمعة 12 ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة.
6 - ظهرت مصطلحات ومفاهيم وقوانين جديدة مثل الهجرة والتاريخ والتقويم الهجري ورؤية الهلال - والمهاجرين والأنصار - ودار الهجرة ودار الحرب- الإسراء والمعراج - الأخوة في الإسلام وفي الرضاعة - أسماء الله الحسنى - السلام وتحية الإسلام - الدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن والتكبير والتهليل والتسبيح والحمد والاستغفار والحوقلة والاسترجاع - الباقيات الصالحات -الذنوب والكفارات - التوحيد وعبادة الله الواحد - الملائكة والشياطين - الطاعات والمعاصي - الصحابة والتابعين وكتاب الوحي والعشرة المبشرين بالجنة وأهل الحل والعقد - ولي أمر المسلمين - الإمام - الخلفاء الراشدين وأمير المؤمنين وذو النورين وأمين الأمة وسيف الله المسلول - آل البيت وأمهات المؤمنين - السرايا والغزوات والجزية والجهاد في سبيل الله - البيعة وبيعة الرضوان - القسم والحلف بالله - الحسبة والمحتسب -- الأمر بالمعروف - النهي عن المنكر - قرن الشيطان - الحدود الشرعية - القصاص والحرابة - أمة محمد والدولة الإسلامية - المسجد والجامع - القرآن الكريم والحديث والسنة النبوية - الأذان والمنبر والقبلة - الفقه والشريعة الإسلامية - المواريث - المدينة المنورة ومدينة ومسجد وشاعر الرسول والروضة الشريفة - زيارة المسجد النبوي - الصلاة على النبي - الطهارة والوضوء والتيمم والمسح على الخفين والغسل من الجنابة وغسل الميت - الكفن - العدة - تكبيرة الإحرام - الصلوات الخمس المكتوبة وصلاة النافلة وتحية المسجد - صلوات وخطبة الجمعة والعيد - صلوات التراويح والقيام والتهجد والوتر والصبح والضحى والحاجة وصلوات الخوف والكسوف والخسوف وصلوات الشكر والاستخارة والاستسقاء وصلاة الميت - جمع وقصر الصلوات - الركوع والسجود - الاعتكاف - صيام رمضان وست من شوال وتسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وصيام الاثنين والخميس والأيام البيض - السحور والإفطار - زكاة الفطر - الصدقة - العمرة والحج - الإحرام والميقات - التكبير والتلبية - السعي والطواف - رمي الجمرات - الأضحية والعقيقة والهدي - المشاعر المقدسة والبيت العتيق والمسجد الحرام - الحجر الأسود والملتزم ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل والحطيم والركن اليماني والمسعى والصفا والمروة - الوقوف في عرفات والمبيت في مزدلفة ومنى - السورة المكية والسورة المدنية - الرقية - آيات القرآن - آية الكرسي - الفاتحة وأم الكتاب والسبع المثاني - الزهراوان البقرة وآعمران - (أقسام سور القرآن الأربع: السبع الطوال - والمئين - والمثاني - والمفصل) عروس القرآن سورة الرحمن - قلب القرآن سورة يس - السبع المسبحات والمعوذات وغير ذلك.
7 - كانت الهجرة النبوية نقطة بداية تأسيس دولة الخلافة الإسلامية التي أصبحت أقوى دولة في كوكب الأرض لأكثر من ألف عام وأنجبت خلفاء وحكام وقادة عسكريين وفقهاء وعلماء وأطباء ومخترعين وشعراء وأدباء ومؤرخين ومترجمين وفنانين شيدوا أساسات الحضارة الانسانية الحديثة وكانوا منارات لهداية مليارات البشر على مر القرون.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا ومعلمنا وهادينا وحبيبنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال أمير الشعراء أحمد شوقي في مدح الرسول:
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ
لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ
وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ
نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ
في اللَوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ
اِسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ
أَلِفٌ هُنالِكَ وَاِسمُ طَهَ الباءُ
يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيّةً
مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا
بَيتُ النَبِيّينَ الَّذي لا يَلتَقي
إِلّا الحَنائِفُ فيهِ وَالحُنَفاءُ
خَيرُ الأُبُوَّةِ حازَهُمْ لَكَ آدَم
دونَ الأَنامِ وَأَحرَزَت حَوّاءُ
هُم أَدرَكوا عِزَّ النُبُوَّةِ وَانتَهَت
فيها إِلَيكَ العِزَّةُ القَعساءُ
خُلِقَت لِبَيتِكَ وَهوَ مَخلوقٌ لَها
إِنَّ العَظائِمَ كُفؤُها العُظَماءُ
بِكَ بَشَّرَ اللَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت
وَتَضَوَّعَت مِسكًا بِكَ الغَبراءُ
وَبَدا مُحَيّاكَ الَّذي قَسَماتُهُ
حَقٌّ وَغُرَّتُهُ هُدىً وَحَياءُ
وَعَلَيهِ مِن نورِ النُبُوَّةِ رَونَقٌ
وَمِنَ الخَليلِ وَهَديِهِ سيماءُ
أَثنى المَسيحُ عَلَيهِ خَلفَ سَمائِهِ
وَتَهَلَّلَت وَاهتَزَّتِ العَذراءُ
يَومٌ يَتيهُ عَلى الزَمانِ صَباحُهُ
وَمَساؤُهُ بِمُحَمَّدٍ وَضّاءُ
الحَقُّ عالي الرُكنِ فيهِ مُظَفَّرٌ
في المُلكِ لا يَعلو عَلَيهِ لِواءُ
ذُعِرَت عُروشُ الظالِمينَ فَزُلزِلَت
وَعَلَت عَلى تيجانِهِم أَصداءُ
شاعر عربي مسيحي يصدق النصح!
دُعي الشاعر اللبناني المسيحي المهاجر رشيدُ سليم الخوري الملقب (بالشاعر القروي) إلى حفل بمناسبة عيد المولد النبوي أُقيم في مدينة سان باولو.. وطُلب منه أن يُلقي كلمة.
فقال:
*«أيها المسلمون... أيها العرب...»*
يولد النبيُّ على ألسنتكم كلَّ عام مرةً!
ويموت في قلوبكم... وعقولكم.. وأفعالكم كلَّ يوم.. ألفَ مرةٍ!
*ولو ولد في أرواحكم لولدتم معه، ولكان كلُّ واحد منكم محمداً صغيرا.*
ولكان العالَمُ منذ ألفِ سنةٍ أندلساً عظيما...
ولالتقى الشرقُ بالغرب من زمن طويل.
ولَعَقَدت المادةُ الغربية مع روح الشرق المسلم حلفاً.
ولمشى العقلُ والقلبُ يداً بيد... إلى آخر مراحل الحياة.
*أيها المسلمون...*
يَنْسب أعداؤكم إلى دينكم كلَّ فِرْية... ودينُكم من بُهْتانهم براء. ولكنكم أنتم تصدِّقون الفِرْية بأعمالكم وتقرُّونها بإهمالكم!
دينُكم دينُ العِلْم... وأنتم الجاهلون!
دينُكم دينُ التيسير.. وأنتم المعسِّرون!
دينُكم دينُ الحُسْنَى وأنتم المنفِّرون!
دينُكم دينُ النصر، ولكنكم متخاذلون!
دينُكم دينُ الزكاة، ولكنكم لا تصدقون!
*يا محمدُ.. يانبيَّ اللهِ حقاً... يافيلسوفَ الفلاسفةِ.. وسلطانَ البلغاء.*
*ويا مَجْدَ العرب والإنسانية...*
إنك لم تقتل الروحَ بشهواتِ الجسد.. ولم تحتقر الجسدَ تعظيماً للروح...
فدينُك دينُ الفِطْرةِ السليمة..
واني موقِنٌ أن الانسانية بعد أن يئست من كلِّ فلسفاتِها وعلومِها، وقنطت من مذاهب الحكماء جميعاً؛ سوف لاتجد مخرجاً من مأزقِها وراحةِ روحِها.. وصلاحِ أمرِها إلا بالارتماء في أحضان الإسلام..
عندئذٍ يحق للبشرية في مثل هذا اليوم أن تَرفع رأسَها وتهتِفَ ملءَ صدورها، وبأعلى صوتها:
*ثم أنشد قائلاً:
عِيدُ البَرِيَّةِ عِيدُ المَوْلِدِ النَّبَوِيّ
فِي المَشْرِقَيْنِ لَهُ وَالمَغْرِبَيْنِ دَوِيّ
عِيدُ النَّبِيّ ابنِ عَبْدِ اللهِ مَنْ طلعَتْ
شَمْسُ الهِدَايَةِ مِنْ قُرْآنِهِ العَلْوِيّ
يَا فَاتِحَ الأَرْضِ مَيْدَانَاً لِدَوْلَتِهِ
صَارَتْ بِلادُكَ مَيْدَانَاً لِكُلِّ قَوِيّ
يَا حَبَّذَا عَهْد بَغْدَادٍ وَأَنْدَلُسٍ
عَهْدٌ بِرُوحِي أُفَدِّي عَوْدَهُ وَذَوِيّ
مَنْ كَانَ فِي ريْبَةٍ مِنْ ضَخْمِ دَوْلَتِهِ
فَلْيَتْلُ مَا فِي تَوَارِيخِ الشُّعُوبِ رُوِي
يَا قَوْمُ هَذا مَسِيحِيٌّ يُذَكِّرُكُمْ
لا يُنْهِضُ الشَّرْقَ إلاّ حُبُّنَا الأخَوِيّ
فَإنْ ذَكَرْتُمْ رَسُولَ اللهِ تكرِمَةً
فَبَلِّغُوهُ سَلامَ الشَّاعِرِ القَرَوِيّ!