د. محمد عبدالله الخازم
يقترح البعض تأسيس قناة تلفزيونية باللغة الإنجليزية أو إعادة القناة التي تم إيقافها، وتمهيداً للنقاش أسأل، لماذا أغلقت القنوات المتخصصة وأبرزها الثقافية والأجنبية؟ الإجابة التي تتردد هي «عدم جدواها» لكن ما المقصود عدم جدواها؟
حكم الجدوى هنا يأتي وفق منظور «الحكم على الشيء فرع عن تصوره»، فإن نظرت لها كمنافس للقنوات العالمية الكبرى سترى ضعفها وإن نظرت لها من جانب مادي فهي لا تغطي تكاليف تشغيلها. سبق أن اعتبرت المسألة ضعفاً فكرياً حين نقيس كل عمل بمعيار الربح المادي/ المالي المباشر أو بضخامته كمنافس عالمي، متناسين الهدف والأثر والطبيعة لذلك العمل. بعض نقاد الإعلام وبعض أساتذته ومنظريه يعتقدون أن كل عمل إعلامي يجب أن يكون موجهاً بشكل مباشر للدعاية للبلد أو الثقافة، مما يجعل وسائلنا الإعلامية متشابهة وغير فعالة لدى الآخر الذي يشعر بأنها دعايات مباشرة. فن الإعلام والعلاقات يتطلب تخفيف اللغة الدعائية المباشرة والتركيز على الأثر البعيد والرسائل غير المباشرة، وللإعلام رسائل تستوجب دعمه بغض النظر عن عوائده المالية..
لذلك، إذا كان المنطق أعلاه سيحكم تأسيس قناة أو إذاعة أو وسيلة إعلامية باللغة الأجنبية، فلا داعي للمحاولة. لأنها ستسقط في أعينكم بشكل سريع؛ سيأتي مدير يراها عبئاً مالياً وسيأتي أستاذ إعلام يقارنها بمحطة (بي بي سي) وسيأتي ناشط في وسائل التواصل يهزأ بمواضيعها، لنعود إلى إقفالها مرة أخرى. إذاً، ما هي رؤيتي لقناة أجنبية إذاعية أو تلفزيونية؟
أراها قناة تؤسس ضمن مفهوم المسؤولية الاجتماعية أو العمل غير الربحي، تقدم برامج محلية تحظى باهتمام الجاليات الأجنبية في المملكة، على مستوى العمال والدبلوماسيين والموظفين في مختلف القطاعات، تستقطبهم من خلال برامج وموسيقى بلغتهم ممزوجة ببرامج محلية غير مكلفة. ابعدوا عن برامج السياسة وأخبارها ونقاشاتها، لتكون قناة أو إذاعة محلية موسيقية ثقافية مجتمعية ترفيهية سياحية.
أقترح البدء بتأسيس إذاعة متعددة اللغات، ساعتين أو ثلاثاً لكل لغة، حيث الراديو لازال له بريقه بالذات في مدن يقضي الناس جزءاً كبيراً من أوقاتهم في طرقاتها لا وسيلة لهم غير الراديو للاستماع إليه. مثلاً، ثلاث ساعات باللغة الهندية ومثلها بالفرنسية ومثلها بالصينية، إلخ. سنجد من يديرها من أهل اللغة ولو كان تطوعاً أو كعمل إضافي. سيعرضون فيها وبلغتهم موسيقاهم ويبثون دعايات لمطاعمهم وأنشطتهم وأكلاتهم وتراثهم ويخبروننا عن تجاربهم داخل المملكة العملية والسياحية والثقافية.
هل هو واجب وزارة الإعلام القيام بذلك؟
مع تفضيل فكرة كونه عملاً مجتمعياً وغير ربحي، إلا أنه سيحقق عائداً مادياً وقد يتبناه القطاع الخاص وفق تنظيمات وتسهيلات ودعم معين. قد تحقق إذاعة أو قناة بلغة أجنبية دخلاً كافياً لتشغيلها وتطويرها وربما أرباحاً إضافية، حيث يمكنها الحصول على الدعم والإعلان من قبل الأفراد والمؤسسات والشركات ذات العلاقة بلغتها وأهلها. مثلاً برنامج اللغة الهندية سيجد الدعم والتبرع والإعلان فيها من قبل الجاليات وأصحاب المطاعم والشركات الهندية أو ذات العلاقة بهم. البرنامج المقدم باللغة الصينية قد تدعمه جامعة تدرس اللغة الصينية أو شركة متعاقدة مع عمالة صينية، وهكذا. بل إن مثل هذه القنوات ستحصل على مواد مجانية مثل الأغاني والموسيقى من أهل اللغة، كأفراد أو مؤسسات أو دول.
أختم بالتأكيد، «لا تكبروها فنغص بها»، اعتبروها مشروعاً محلياً بدون تعقيدات تحيله إلى دعائي مباشر/ ضخم. ليس المطلوب برنامج مكلف يبهر ويسمعه/ يشاهده الملايين في أمريكا وأرووبا والصين، بل برنامج هدفه آلاف المقيمين على أرض المملكة، بلغاتهم وبما يكسر الفجوة التواصلية معهم داخل بلادنا.