ميسون أبو بكر
ما أصعب رحيل مثقف أو أديب أو إعلامي صاحب رسالة، وفي الفترة الأخيرة فقدنا الكثير ممن رحلوا بلا وداع وكنا نظن أننا سنمضي مستمتعين بنتاجهم الأدبي أو مجهودهم الإعلامي الذي ينير دروبا في هذه الحياة ويحلق بنا في آفاق رحبة، وإذ هي حياة تتوقف وصفحة تُطوى ولا يبقى لنا إلا أثرهم وما تركوا نبراسا ينير ويذكر بهم.
رحل قبل أيام الروائي السعودي والإعلامي هاني نقشبندي، رجل أحب الحياة فانتصر الغياب عليها، وأحبه أصدقاؤه فخذلهم رحيله المفاجئ، وقد كان بوصلتهم حين يقصدون دبي التي كانت بيته ومقر عمله الإعلامي منذ وقت مبكر، فبكوا رحيله المفاجئ الذي أتعبهم.
سمعت نعيه في توتر وأعدت قراءة الاسم مرات لأتأكد أنه ذاك الصديق الذي عرفت منذ خمسة عشر عاما والذي عاد مؤخرا إلى الشاشة عبر برنامجه هنواتي على قناة المشهد وكنت فرحت جدا لأنني أعرف شغف الإعلامي وشوقه القديم المتجدد الذي لا يطيق له فراقا، وكنت استضفته في برنامج المقهى الثقافي في عام 2011 حين كان معالي الشاعر عبدالعزيز خوجة يجمع شمل الأدباء ويحرص على ظهورهم الإعلامي.
كنت مثقلة وقتها بالكثير من مهام العمل والحياة واستمعت إلى نصائحه التي تأتي بروح الأديب الروائي الذي يسبر أعماق الإنسان فتحفظ كلماته في الذاكرة وتُروى.
رحيل روائي مهم وإعلامي له باع في عدد من المؤسسات الثقافية هو كالخنجر في خاصرة المشهد الثقافي، تمر تفاصيل لقاءاتي به في عدد من المناسبات الإعلامية على الأغلب كشريط سينمائي قاتم فما زالت هناك الكثير من المواقف التي أنبش عنها في ذاكرتي لأستحضر خصال ذلك الصديق الفريد الذي له شريحة واسعة من الأصدقاء في أنحاء المعمورة، وفيما رواه صديقه عمر الأنصاري في تويتر وقت اكتشافهم وفاته بعد عدم رده على المكالمات ما يمكنه أن يخبر كيف أن هاني محاط بأصدقاء يحيطونه دوما بالرفقة ويحرصون على التواصل معه؛ ولعلي أختم مقالي بما قاله الروائي المعروف عمر الأنصاري ملخصا هاني الروائي والإعلامي «رحل هاني، وكان بلا ريب رجلا متفردا وغير تقليدي، صاحب آراء صادمة وصريحة وصادقة، مثقف واسع الاطلاع متعدد المعارف، كان ممن نهل الثقافة من معينها الأصلي، فلم يكن من تلامذة غوغل وويكيبيديا، بل أسس نفسه في كل المعارف عبر منابعها الأصلية.
في الصحافة، كان بارعا، يبحث ويتحدث عن الأخبار «المهمة المهملة»، وفي الرواية كان باحثا عن التجديد والابتكار وتجاوز القوالب، وفي الحياة كان فيلسوفا بعيد النظر ينظر إلى ما خلف أسوار الحياة.. بل كان كثير الحديث عن البداية والموت وأصل الحياة».
حين يرحل مثقف فإنه يترك ضجيجا لا يمكن لكل المحاولات أن تخفف وجع فقدانه، وحين نذكر الأخ والصديق والأديب هاني نقشبندي فقد تضيق بذكره كتب تتحدث عن الإنسان الذي لا تقتصر فلسفته داخل الكتب التي تركها بل تتعداها إلى تفاصيل تعاملاته وعباراته «وإنا لله وانا إليه راجعون».