د.محمد بن عبدالرحمن البشر
ضرب زلزال قوي جداً أعالي جبال مدينة مراكش المغربية التاريخية الجميلة والتي تُسمى المدينة الحمراء، لقد كان زلزالاً تقرب درجته من نحو سبع درجات على مقياس رختر، وراح ضحيته آلاف من البشر، وآلاف من الجرحى، رحم الله الشهداء المتوفين، وشفى الله المصابين، وسلم الله المغرب من كل مكروه، اللهم إنا نعوذ بك من الزلازل والمحن، ومن الفواجع والإحن، وما للمرء في نزول المصاب إلا الرضا بقضاء الله وقدره، والصبر صبر احتساب، كما قال ابن زيدون عند وفاة والدة ابن عباد:
هُوَ الدَهرُ فَاصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ
فَمِن شِيَمِ الأَبرارِ في مِثلِها الصَبرُ
سَتَصبِرُ صَبرَ اليَأسِ أَو صَبرَ حِسبَةٍ
فَلا تُؤثِرِ الوَجهَ الَّذي مَعَهُ الوِزرُ
إِذا المَوتُ أَضحى قَصرَ كُلِّ مُعَمِّرٍ
فَإِنَّ سَواءً طالَ أَو قَصُرَ العُمرُ
كان الليل قد قارب أن ينتصف، والناس نيام في مضاجعهم، وبعضهم قيام يتسامرون مع أصدقائهم وأقاربهم، أو مكبين على كتبهم ومراجعهم، كل يفكر في غده، وبؤسه ورغده، ولم يخطر بباله ما جرى، وما حل وسرى، لم يجر بخلده أنه في بضع ثوان سيموت آلاف -رحمهم الله رحمة واسعة-، ويصاب من أصيب، وقد يكون هو أحدهم، ولا شك أن بعضاً ممن بقي على قيد الحياة، تشتت شملهم، وطال ليلهم، وبؤس حالهم، وجهل مآلهم، لكن رحمة الله واسعة، والتعلّق به خير علاج، إذا ضاقت الفجاج.
المغرب يقع في منطقة زلزالية معروفة تمتد على أطراف البحر الأبيض شمالاً وجنوباً، نظراً لالتقاء الصفائح الكانتونية الإفريقية والأوروبية آسيوية والتي يؤدي تحركها إلى حدوث زلازل من فترة وأخرى، ولهذا فإننا كثيراً ما نسمع بزلازل في تلك المناطق، والمغرب بكامله يقع في تلك المنطقة الزلزالية، ربما يستثنى منه مناطق معينة في الصحراء، ولهذا فإننا نجد أن زلازل متعاقبة قد ضرب المغرب الشقيق، ففي القرن الثالث عشر الميلادي، وقعت مدينة العرائش تحت تأثير زلزال، مات على أثره الكثير، كما تدمرت الكثير من المباني والطرق، ومدينة العرائش مدينة جميلة تقع في شمال المغرب، وقعت فيها معركة كبيرة بين المغرب وإسبانيا، وانتصر فيها الجيش المغربي، وبعدها لم يعد الإسبان لغزو التراب المغربي، إلا بعد حين، ومدينة مليلة الواقعة في الجغرافيا المغربية، والمحكومة من قبل إسبانيا تعرضت لهزات في القرن السابع عشر والثامن عشر، ومثلها مدينه فاس العريقة، وكان نصيب مدينة أكادير نصيباً كبيراً من الزلازل، والذي بقي في الأذهان حديثا هو زلزال عام ستين الذي دمر المدينة بأكملها ومات ثلث سكانها، وقد تم نقل المدينة بالكامل إلى مناطق قريبة، وما زالت المدينة القديمة كما هي بعد الزلزال، مزار لمن أراد أن يتعظ، وقد تبرع الملك فهد -رحمه الله - بخمسين مليون دولار، وهذا يعتبر مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت، وقد قرَّر الملك الحسن آنذاك الاستفادة منه في بناء جامعة في مدينة إفران، سماها جامعة الأخوين، أي الملك فهد وأخيه الملك الحسن، وتعد الآن من أفضل جامعات المغرب، أما مدينة الحسيمة فقد توالت عليها الهزات أعوام عديدة، وآخرها عام ألفين وأربعة، والمدينة الآن عامرة، وقد ساهمت المملكة في ربط العديد من الطرق بها، وهناك مدن مغربية أخرى تعرضت للهزات مثل مدينة طنجة، وتطوان، كما تعرض الساحل المغربي جميعة بهزات شديدة جداً وقعت في البرتغال، وامتد أثرها إلى الساحل المغربي، فلحق بمدنه بعض الدمار.
مدينة مراكش التي أصابها الزلزال، تقع في الصحراء تحت سفح جبل أطلس الكبير، وتقابله سلسلة أخرى، لا يغيب عن أحد جبالها الثلج، ويسمى ذلك الجبل أوكايمدن، وهي كلمة بربرية تعني وادي الرياح الأربعة، وهنا للفائدة فان اللغة البربرية تبدأ بساكن وتنتهي بمتحرك، عكس اللغة العربية التي لا تبدأ بساكن، ولا تنتهي بمتحرك، والحديث حول تلك اللغة يطول، وقد كان لدي الفرصة أن أعرف عنها الكثير عندما أمضيت في المغرب الشقيق نحو عشر سنوات .
ومدينة مراكش بناها اللمتونيون، وهم فرع من قبيلة صنهاجة البربرية، وينسبها البعض إلى قبيلة حمير اليمنية المعروفة، لهم تاريخ عريق وتنتشر القبيلة الكبيرة في مناطق عديدة من الشمال الافريقي، ويقال أن اسم مراكش معناه مر سريعاً، وهو قول ضعيف، ومنهم من يقول إن معناها باللغة الأمازيغية أرض الله، وهو المعنى الأقرب للصواب، لا سيما أن مؤسسها كان تقياً يعتمد على عبدالله بن ياسين الرجل الورع التقي، وهناك من ذكر أن اسمها معناه، أرض كوش، والكوشيون قبيلة مشهورة عريقة تقع في النوبة بين السودان ومصر، وقد حكم الكوشيون مصر أربع مائة عام كفراعنة عاصمتهم طيبة، قبل الميلاد بألفي عام، ولهم باع في تاريخ مصر، وما زال الكوشيون موجودين في وطنهم، وينتمون إلى نفس القبيلة، وأعرف منهم الكثير .
لقد تلا المرابطون الموحدون، ومسجدهم الأول يقع في الحوز مركز الزلزال المدمر الذي أصاب المنطقة، وانطلقوا من هناك، وفي الحوز التي تدمرت، أسر كريمة تتحدث البربرية، معروفة بتمسكها بالدين الإسلامي، والحفاظ على العادات، وفعل الخير، والكرم، والتلاحم، ومنهم فضلاء وعلماء وأعلام، رحم الله من مات منهم وشفى المصابين، وألهم الناجين الصبر والسلوان .