مها محمد الشريف
يبدو أن الغرب بقيادة أمريكا حقق مبتغاه بإقحام روسيا في خضم معركة لا نهاية لها مع أوكرانيا عكس ما كانت تتوقع موسكو، فعدم التزام أعضاء الناتو بما تعهدوا به لروسيا بعدم توسيع الحلف في الكتلة الشرقية من أوروبا هو ما أدى لإجبار روسيا على المواجهة في المربع الأخير، بمعنى لو انضم حلف الناتو لأصبحت روسيا مكشوفة أمام قواعد وصواريخ الحلف.
فكانت أوكرانيا ساحة لتصفية الحسابات الأخيرة بين الحلف ووريثة الاتحاد السوفييتي روسيا، وما يحدث فعليا من محاولات لإيجاد حل سياسي ما هي إلا مجرد جولات لا تحقق أي هدف يصل إلى نتيجة، والغرب يتوق دوما لإضعاف خصومه واستنزاف قدراته لينشغل بنفسه مستقبلا ويضعف لسنوات طويلة.
لقد أدت الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا إلى توحيد الغرب، وتعمقت الطبيعة السياسية الغربية في مجريات الأحداث، وهناك نقطة أساسية تركت الباب مفتوحاً أمام هذه الحقيقة وهي حرب الغرب بالوكالة، لأن المسألة برمتها وضع أوكرانيا في قلب الصراع دون تقديم أي حلول سياسية، بمعنى آخر لم تستطع التوفيق بين متطلبات العمل السياسي والمبادئ الأخلاقية؟، فإلى متى يمكن أن يستمر هذا الموقف الموحد والصراع محتدما؟
يظل التساؤل معلقاً عندما يدور الأمر حول أوكرانيا لمن لا يعلم السبب «لماذا يستمر منحها شيكا على بياض؟ كما يقولون وما هو شكل النصر وطبيعته؟» الذي ينتظرونه، ودول التحالف الأغنى في العالم والأكثر تقدماً من الناحية الصناعية والتكنولوجية تمنحها أولوية في الإمدادات العسكرية، هل هو لإضعاف روسيا واستنزاف قدراتها، فقد ظل هذا الخلاف الأزلي بين الغرب وروسيا مستمراً، حتى أصبح واقعاً عملياً يفرض نفسه.
ولكن هناك نوع من الإرهاق يؤثر سلباً، حول نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين نحو الغرب، كمثال على ذلك ألمانيا، التي تمكنت من النجاة من مأزق الطاقة الناجم عن الحرب واستقبلت مليون لاجئ أوكراني بينما زادت مساعداتها تدريجاً لأوكرانيا، ولكن إطالة أمد الحرب تسببت بحالة من الإحباط لدى بعض دول الحلف، فالدعم العسكري الكبير ترتب عليه كثير من التحديات، من ضمن هذه التحديات اعتماد أوكرانيا الكلي على الدعم العسكري الغربي والمالي.
من هنا نتساءل هل نجح الغرب في التأثير على الجيش الأوكراني وأصبح يعتمد بشكل كبير على المعدات الغربية والتخطيط الاستراتيجي الغربي؟، بعدما تم حمله على التفكير في التقلبات التاريخية التي كان عليها أيام الاتحاد السوفياتي، وتوسيع دائرة حلف الناتو الذي يصفه الكثير بأنه الفخ الذي أرادوا من خلاله الإيقاع بروسيا، وكانت أوكرانيا هي الطعم.
رغم هذا الدعم والمتغيرات ما زالت روسيا تشن الحرب على الاقتصاد الأوكراني فقد قصفت مدينة أوديسا الأوكرانية وأصابت البنية التحتية للموانئ وناطحة سحاب غير سكنية ومستودعات، والرئيس الأوكراني يواجه «الإعياء الغربي» من الحرب المتواصلة.
يمكننا أن نفهم أنه ليس هناك حلول سياسية قريبة وأن التسوية شيء من الماضي، فلم يعد متاحاً حل الأزمة مع روسيا، ولن يتوقف تجهيز أوكرانيا بالوسائل الكافية للتدمير؟، ولكن ما لذي يمكن عمله لإيقاف الحرب وحل الأزمة المعقدة؟، في عالم تجاوز أساليب السيطرة حتى أصبحت فيه أفظع الكوارث متوقعة منذ عقود، فهل يمكن لأوكرانيا ان تنتصر على روسيا؟ وهل الغرب يشكل بالفعل تهديدا وجوديا لروسيا؟