م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - حينما انطلق الملك عبدالعزيز ورجاله لتحقيق رؤيته في توحيد الجزيرة العربية من البحر إلى البحر كان أمامه مهمة جبارة كأقل ما يمكن أن توصف به.. فإذا كان لديك رؤية فإنك أمام مهمتين: الأولى إقناع رجالك بتلك الرؤية، والثانية الانطلاق لتحقيقها بفاعلية وكفاءة.
وما بين هاتين المهمتين هناك عقبات كبار لا يمكن تجاوزها إلا بإيمان وعزم شديدين.
منها الإيمان المطلق بقيادة هذا الرجل الفذ صاحب الرؤية، والاقتناع بصواب رؤيته وإمكانية تحقيقها تحت قيادته.
ثم تَقَبُّل مواجهة التحديات التي يجب تجاوزها، وأقلها التضحية بالتخلي عن كل شيء والخروج مع القائد والتفرغ التام لتنفيذ المهمة أو الموت دونها.
وأنهم سوف يمضون أعواماً من السعي الذي لا يكل ولا يمل ولا يهدأ.
وبالفعل امتدت المهمة ثلاثين عاماً حتى تحقق لهم الهدف، صارعوا خلالها قبائل ودولاً على رأسها الدولة العثمانية وبريطانيا العظمى.
فكانت رحلة بطولة فريدة حتى أصبحت المملكة العربية السعودية آخر دولة على وجه الأرض تم توحيدها من على ظهور الإبل وصهوات الجياد.
2 - ثم أتى من بعده أبناؤه الذين هم الآباء المؤسسون لدولة المؤسسات والأنظمة والتنظيمات.
حيث وطدوا وجود الدولة وكيانها وحدودها وعلاقاتها، وأداروها بنظام رَسَّخ الأمن والاستقرار، ومَكَّن الناس من أسباب العيش والسعي في الحياة بكل أمن واطمئنان وحفزهم على ذلك.
وقادوا البلاد بالحكم الرشيد الذي طور البنى التحتية في جميع المجالات وحقق الاستقرار والنمو المستدام، وأحدثوا الطفرة التعليمية والصحية والصناعية.
ووفروا حالة الرفاه التي جعلت المواطن السعودي مثالاً للمواطن المرفه الذي يجوب العالم سائحاً سعيداً ثم يعود لوطنه الذي وفَّر له في أصغر قراه أرقى الخدمات على مستوى العالم.
مما جعل المملكة واحدة من دول العالم الأكثر استقراراً ونمواً ورفاهاً واستقطاباً للقوى العاملة.
3 - ثم أتى عهد الملك سلمان رعاه الله، الملك المجدد مع سمو ولي عهده الأمين، الذي «وَحَّد الرؤية».
فرؤية التوحيد قد تحققت على يد الموحد طيب الله ثراه، وبدأت مرحلة «توحيد الرؤية» في أن تكون المملكة بلداً عظيماً في أنظمته وتنظيماته المتطورة المواكبة للمتغيرات، وبمنشآته العملاقة، وخدماته النوعية المتقدمة، وحضوره الفاعل، ومواطنيه الأكفاء.
بلد قائدٌ وملهمٌ ومؤثرٌ في محيطه والعالم.
بلد ينافس على المراكز الأولى في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون استثناء.
بلد مجتمعه عالي الطموح، ومواطنه عالي التأهيل، ومنشآته عالية المستوى، وخدماته عالية الجودة، وحضوره عالي التأثير.
بلد لا يقوم اقتصاده على مصدر واحد وهو البترول، بل لديه مصادر متعددة، مستفيداً من عمقه العربي والإسلامي وموقعه الجغرافي في وسط القارات، وقوته الاستثمارية، وما حباه به الله تعالى من ثروات بشرية وطبيعية في أرضه.
4 - وهذا الأسبوع ونحن نحتفل بيومنا الوطني الثالث والتسعين، أسترجع ذاكرتي وقد تجاوز عمري الستين وأتساءل: هل مرت بي أو بأهلي سنين عجاف، أو سنين خوف، أو سنين حرب، أو سنين وباء؟ الجواب الوحيد هو «لا».
ثم أعجب كيف «لا» ونحن نعيش على أرض تعاني من التصحر وفي مجتمع حديث عهد بالخروج من الأمية ووسط منطقة ملتهبة سياسياً، ويكفي النظر إلى ما حولنا حتى نعرف ما الذي يحيط بنا، وأتساءل: ألا يجب أن يخيفنا ذلك؟ لا أتذكر أنني نظرت للعام القادم بتوجس بل بطموح وبأمل أن يكون أفضل من العام الذي قبله، ليس ذمَّاً فيما قبله بل طمعٌ بالمزيد.
ثم أنظر في حالنا فأجد أن أكبر شكوانا تأتي من ترف المجتمع وتراخي بعض شبابه وأنهم لا يعرفون قيمة الادخار وأهميته.
شكوانا من الرفاه الزائد الذي نعيشه وليست شكوانا من قصور في المعيشة أو ضعف في الأمن أو أي من إزعاجات الحياة الأخرى.
5 - الآن ونحن نحتفل بيومنا الوطني وقد مرت ست سنوات على توحيد الرؤية أنظر إلى ما تحقق في تلك السنوات القليلة، وكيف تحولت طموحاتنا وأحلامنا إلى خطط تنفيذية، وكيف زادت طموحاتنا من أن يكون عامنا القادم أفضل من عامنا السابق فقط إلى أن يكون طموحنا أن نكون دولة عالمية عظيمة تشارك بفاعلية في بناء وتطوير الحضارة الإنسانية.
يا له من طموح حققنا منه الكثير حتى أصبح محيطنا المجاور لنا ينادي من أجل اللحاق بنا.
وسنحقق المزيد وبتسارع كبير بوقوفنا جميعاً خلف قائد الرؤية حفظه لله ورعاه، وأن نؤمن جميعاً برؤيته وفكره، وأن نقبل التحديات التي سوف نواجهها في رحلتنا لتحقيق الرؤية، وأن نشارك بفاعلية وإتقان في تحقيقها.
6 - حفظ الله بلادنا وولاة أمره، ووفقنا جميعاً للمشاركة الفاعلة في تحقيق رؤيتنا الطموحة.
ومن فاته شرف المشاركة في مرحلة «رؤية التوحيد» فلا يفوته شرف المشاركة الفاعلة في مرحلة «توحيد الرؤية».