عبده الأسمري
عندما يتمعن الإنسان جيداً في «أعماق» نفسه سيجد أن هنالك قوى داخلية تتحد مع القدرات الذاتية وتتكامل مع المعطيات الحياتية وتتباين جميعها في مدى القدرة الكاملة في مواجهة «الأزمات» والخروج بأقل الأضرار وأدنى الخسائر، والتي ينعكس تزايدها عليه بتداعيات قادمة لم يلق لها بالاً، والسبب يكمن في انعدام أو قلة مفهوم «الثقافة النفسية» التي تشكل المنهجية التي يتزود منها الفرد بقواعد المواجهة وأسس المجابهة لأي أزمة حياتية مفاجئة أو أخرى جاءت في منحني مراحل متعاقبة.
ووفق دلائل وبراهين في عمق تخصصي وجدت أن التركيز ينصب على العلاج النفسي سواء كان على هيئة «عقاقير» طبية أو «جلسات» سلوكية في ظل إغفال العديد من الأركان المهمة جدًا والتي تتمثل في مساحة الثقافة النفسية لدى المريض والمحيطين به والأسباب الكامنة والمعلنة التي تسببت في نشوء المرض أو تفاقم الحالة إضافة إلى الشخوص إلى سمات الشخصية والارتهان إلى مدى وجود مناعة نفسية سابقة وأهمية وجودها ضمن خطط التعافي مع أهمية سلامة المريض والحفاظ على التحسن والشفاء بعد انتهاء برنامجه العلاجي ومدى ضرورة وجود مضادات سلوكية تقيه سوءات «انتكاس» حالته أو «تراجع تحسنه وأيضًا تحيل بينه وبين موجات ظروف قادمة مع أهمية الاستفادة من الأزمة في صناعة النجاح لمواجهة أزمات قادمة.
من المهم لأي إنسان أياً كان معافى أو مبتلى أن تكون لديه «مناعة نفسية» وثقافة استباقية للوقاية من الأمراض والسلامة من الشرور ومواجهة الأقدار التي لا تستثني أحدًا سواء كانت «حالات وفاة أو حوادثًا أو أمراضًا خطرة أو خسائر مالية أو متاعب صحية أو إزمات عائلية أو فقدان عمل أو مشاكل حياتية وغيرها حتى يتشرب في داخله الاستعداد المسبق قبل حدوث «الأزمة» أو «الفاجعة» والتدريب على «التكيف» معها و»المرونة» في مواجهتها عبر تقوية النفس من الداخل وتعزيز القدرات الكامنة في الذات مع ضرورة التدرب على التخلص من الشعور السلبي والتأقلم مع الأمور الفجائية والاستفادة من تجارب الأخرين في ذات الاتجاه والاعتماد على النفس وتعزيز السلوك الإيجابي وضرورة وضع ميزان النعم التي يعيش فيها بإنصاف حتى لا تطغي الأزمة العابرة أو المؤقتة على كفة الخير الراجحة.
تسهم الثقافة النفسية الاستباقية ومعرفة حجم الضرر والنظر بمقياس قناعة ورضا حول الحاضر والاتجاه بمنظار «التأكيد» نحو القادم في الخروج من الأزمة، وهذه من عطايا الله عز وجل للإنسان في أن يكافئه بالمنحة بعد المحنة والفرج بعد الضيق والظفر بعد الصبر واليسر بعد العسر، فينعم بعدها بمستوى مرتفع من «الأمن النفسي» و»الأمان الاجتماعي» بسبب إداراته السليمة والصائبة للسلوك والتعامل بذكاء نفسي وواقعية شخصية حتى ينجو من الأزمة، ويهيئ ذاته للمضي في دروب الحياة بكل عزيمة وإصرار وسلام داخلي وقوة ذاتية تجعله في ساحة من «الارتياح» الذاتي لامتلاكه السبل والطرق والحلول الكفيلة بإخراجه من منحنيات «المغارم» إلى ساحات «المغانم».
تسهم الثقافة النفسية في معرفة الجوانب المظلمة من الحياة وفي إطلاق «الضياء» من داخل النفس باتجاه الأفق لينعم الإنسان بالراحة الذهنية التي تمكنه من صناعة «التفكير الإيجابي» والتمكن من التعامل مع الأزمات سواء تلك المتعلقة بالصدامات مع الآخرين على شكل «تعامل» يقتضي شيوع «التجاهل والتغافل والصبر» أو الأقدار الفجائية التي تأتي في رداء «ابتلاء» يتطلب وجود «الإيمان والرضا واليقين».
كثير من الأمراض الجسدية وُجد أن أسبابها نفسية وهنالك العديد من الأزمات التي يواجهها الإنسان كانت تقتضي التكيف النفسي ثم التخطيط الذهني ثم التنفيذ السلوكي دون الدخول في «منحنيات» القلق والمكوث في «متاهات» التوتر والبقاء في ظلمات «التوجس» حتى ترسخت «الأزمة» في عمق النفس بسبب وجود «العامل» المسبب وعدم إيجاد حل لإزالته والذي يضمن للمتأزم الخروج من نفق «المتاعب» المظلم إلى نور «الحياة» المضيء.
على كل إنسان أن ينهل من «معين» التجارب وأن يغترف من «منبع» المشارب في حياته وأن يستفيد من الأزمة كجسر ينتقل من خلاله إلى «ضفاف» دروب مفروشة بالوعود التي ستحققها كل نفس تجللت بالتوكل على الله ثم الاعتماد على الذات والمضي إلى حيث الثبات والنأي عن كل مساحة حياتية أو محيط بائس أو تقاطعات بشرية تنذر بالخطر أو تحاط بالقلق وصولاً إلى امتلاك «ثقافة نفسية» تكفل صناعة حياة هادئة مطمئنة سعيدة قوامها «الفكر» ومقامها «الشكر» ليكون الإنسان طبيب ذاته وخبير نفسه والمؤتمن على سلامتها ووقايتها من كل الأعراض والمتاعب والمصاعب.