د. محمد عبدالله الخازم
لدي معاناتي التاريخية مع الأماكن والمسميات؛ المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية وحتى الكلية، ألغيت أو هدمت مبانيها التي درست بها. عندما أريد إخبار أبنائي عن تاريخي أقول لهم؛ هنا كانت مدرستي وعليكم تخيل شكلها! ويصيبني الآن قلق أكبر، حول مسمى وهوية قريتي والخشية أن آتي مستقبلاً فأقول: هنا كانت قريتي، نسينا اسمها القديم لأنها اصبحت جزءا من حي بمسمى جديد، قريتي الجبلية التي لها اسم توارثته عبر مئات السنين، أصبحت جزءا من حي يحمل اسم (رومانسي وردي) حديث تجاهل بيئتها وتاريخها.
هو أمر معتاد في التخطيط؛ المنطقة يتبعها محافظات، المحافظة عبارة عن مدينة كبيرة أو عدة مدن صغيرة أو مدينة وحولها قرى كما هو الحال في أغلب محافظات المملكة، المدينة يتبعها أحياء وحارات.
المنطقة/ المحافطة ليست مدينة وإن حوت مدناً، وبالتالي لا تعامل كمدينة فتقسم إلى أحياء وحارات يتبعها قرى، فذلك يهمش القرى والمدن الصغيرة ويخل بكينونتها.
ربما يكون مقبولاً تقسيم القرية الكبيرة إلى أحياء وحارات، حيث إنها قد تنمو لتصبح مدينة يوماً ما.
الحي عبارة عن جزء من المدينة محدد بمساحة وبخصائص معينة وكثافة سكانية ومعمارية محددة، كأن يكون صناعيا أو تجاريا أو تعليميا، إلخ، وليس مجموعات سكنية متناثرة متباعدة عن بعضها البعض دون هوية رابطة بينها.
للأسف، أمانة منطقة الباحة لم تراع هذه الأسس، لم تفرق بين المدينة والمحافظة، واخترعت نظاماً بمسميات يرى فيها الأهالي تهميشاً لمسميات وهويات قراهم.
نفترض وجود الشفافية وتقدير آراء المواطنين من قبل وزارة البلديات وأمانة الباحة، ونتساءل حول تقسيم المنطقة إلى أحياء بمسميات جديدة لتشكل كل مجموعة قرى حية.
الفكرة غير واضحة مبرراتها ومعاييرها، أطلقتها الأمانة وتركت الناس في (حيرة) يسألون؛ هل ستلغى مسميات القرى ليحل محلها أسماء جديدة؟ هل هي مقدمة لمحو هوية القرية؟ لماذا تختزل مجموعة قرى كبرى تحت مسمى حي؟ هل تريد أمانة الباحة تصغير القرى لتصبح مجرد حارات ضمن الأحياء الجديدة؟ ألا يفترض العكس حيث القرية تشمل أحياء وحارات وشوارع وطرقات؟ هل التغيير خاص بمنطقة الباحة أم يشمل جميع مناطق المملكة؟ هل هو خنق لتطور القرى القابلة للتحول إلى مدن، كما تطورت سابقاً قرى الباحة وبلجرشي والمندق لتصبح مدناً في منطقة الباحة؟ هل هو منطقي أن يصبح حي جديد مواز أو أكبر من عاصمة المنطقة، مساحة أوسكاناً؟ هل هي حلول مستوردة لا تفرق بين تخطيط المدينة الكبيرة وتخطيط المحافظة؟ التنمية والتطور تسير منذ عقود، فما هو المبرر لتغيير شكلي مكلف مادياً ومعنوياً واجتماعياً؟ هي فكرة مقلقة إلغاء/ تهميش مسمى القرية التي وُلدت وترعرعت وتشكل وعيي فيها، وتمثل تاريخ آبائي وأجدادي.
اسماؤنا واسماء قرانا وجبالنا نحبها، هي تاريخ وأمجاد تشكلت عبر التاريخ ولا تعارض تطورنا المدني.
هذا ديدن دولتنا وقيادتنا؛ ألم يفاخر ولي عهد بلادنا باسم طويق الذي أصبح رمزاً لشموخنا ولطموح الغد ولم ينظر على أنه اسم قديم يجب تغييره؟ أليس الحفاظ على التراث والهوية الثقافية عنصر مهم في رؤيتنا الحكيمة؟ كيف تحافظ على التراث والثقافة بطمس هوية القرية؟ أقدر اجتهاد أمانة الباحة، وأطالب بإعادة دراسة الفكرة ومشاركتها مع اصحاب الشأن وأهل الخبرة.
نحن راضون بأسماء قرانا، وما نرجوه تنميتها دون طمس هويتها أو إيذاء مشاعر أهلها.
حلمنا بأن تنمو القرى لتضاهي المدن، لا أن تختزل كحارات صغيرة، ضمن أحياء مخترعة، بأسماء لاعلاقة بها وبتاريخها.