د. عبدالحق عزوزي
خلف زلزال الحوز والأطلس في ليلة الجمعة 9 سبتمبر بقوة 7 درجات على مقياس ريختر آلاما كبيرة ووجعا جماعيا غير مسبوق؛ وقد كانت زلزلة عظيمة بسبب عدد الموتى والجرحى؛ وتهدمت منها البيوتات والمساكن في الدواوير، وانحطت منها الصخور من الجبال وفر الناس من مساكنهم من شدة اضطراب الأرض وفرت الطيور عن أوكارها؛ وأحدثت خسائر كبيرة في الرأسمال اللا مادي للمغرب الجميل.
وفي هذا الباب لا بد من الترحم على شهداء الزلزال الذين قضوا نحبهم ومن الدعاء بالشفاء العاجل للجرحى، والصبر والسلوان لكل المغاربة، وبالعون واليسر لكل نساء ورجال الإنقاذ وبالجزاء الأوفى والأوفر لكل من قدم يد المساعدة. قال الله تعالى في محكم كتابه «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ». فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم إن الذي أدهش العالم هو صور تضامن المغاربة صغيرهم وكبيرهم مع إخوانهم بعد أن زلزلت الأرض زلزالها؛ وهاته الصور من الصحراء المغربية ومن مناطق الريف ومن الشرق والغرب ومن الشمال والجنوب ومن مغاربة العالم؛ وهاته الصور هي صور سيارات وشاحنات المغاربة المتجهة صوب مناطق الزلزال، وصور السلاسل البشرية وهي تذهب إلى المحلات التجارية يشترون كل ما يلزم من مواد ضرورية للمساهمة والتضامن مع إخوانهم بالحـوز وتارودانت وورزازات، وهي صور الصفوف الطويلة في المستشفيات من المتبرعين بالدم؛ وعايشت ذلك شخصيا عندما وضعنا في الجامعة الأورومتوسطية بفاس وفي حيه الجامعي مركزا طبيا حيث رأينا صورا لصغار الطلبة ووالديهم وإخوانهم والموظفين والأساتذة يتسابقون لإعطاء الدم... ناهيك أيضا عن التحويلات المادية التي قاموا بها ويقوم بها المغاربة بسخاء في الحسابات المخصصة لذلك؛ وناهيك عن صور السلطات وصور الجيش الملكي والهيئات الطبية وهي تسعف الساكنة.. وهي كلهـا بحق تعد نموذجا مغربيا ينضاف إلى قائمة الاستثناءات المغربية وملحمة وطنية كبيرة بين العرش والشعب.
وفـي الوقت الذي كان يشتغل فيه المغرب في تعداد الموتى وإحصاء الأرامل والأيتام والبوتات المهدمة، وتطوير سياسات استعجالية وأخرى مستقبلية لصالح المناطق المنكوبة واعتبار أطفال وأيتـام زلزال الحـوز «منكـوبي الأمـة»، كان هناك الحساد والمنزعجون الأجانب الذين سخروا وسائل الإعلام ومجلات خاوية على عروشها لاستفزاز مشاعر المغاربة وتقزيم درجة تفوق الشخصية المغربية الاستثنائية أمام كل الابتلاءات والظروف... وتلك الجهات لم تستسغ أن المغرب بلد مستقل وذو سيادة وله صيت يعلو وما يعلى عليه في النظام العالمي وأنه خلق شراكات استراتيجية إنسانية قائمة على رابح-رابح مع الدول الإفريقية والعربية ومع دول العالم... وطبعا تلك التقارير المجحفة كان مآلها الفشل أمام موجات لا متناهية من مشاعر التآخي والتضامن التي أبان عنها الشعب المغربي؛ كما كانت الزيارة الملكية، وتفقد الملك محمد السادس ضحايا زلزال الحوز بمستشفى مـراكش، وتبرعه بالدم لفائـدة الضحايا وبمبلغ مليار درهم لفائـدة الصندوق الخاص لمواجهة آثار الزلزال، وترؤسـه جلسات العمل لإعادة الإيواء والتكفل بمتضرري الزلزال أفضل تعبير عن «سمفونية» تضامن وطنية كبرى كتـبها العرش والشعب معا، ولكون المغاربة حاملين قيما ووطنية وإنسانية كبرى ولكون «منبت الأحرار.. مشرق الأنوار.. هب فتاك لبّى نـداك..» ليست شعارات فارغة وإنما دستور خالد قائم على أصول لا تحور ولا تبور.