د. محمد بن أحمد غروي
لا يزال الممر الاقتصادي الذي سيربط الهند بالغرب مرورًا بالمملكة العربية السعودية، الذي أعلن عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على هامش قمة العشرين بنيودلهي، حديث الإعلام والنخب على المستويين الإقليمي والدولي، ولا تزال التحليلات المنبثقة عن رؤية القيادة السعودية والنظر البعيد لأولويات مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية قيد النقاش والاستشراف، خاصة في ظل المتغيّرات السياسية التي تحدث في المنطقة، فضلاً عن اتجاه العالم نحو تعددية الأقطاب بدلاً من القوة العظمى الواحدة.
ليس السياسة صديقاً دائماً ولا عدواً دائماً، بل ما يجمع الأضداد هو لغة المصالح المشتركة، والمتغلبة على أي قرار إستراتيجي، خاصة مع استقلالية الدول في قراراتها، فالقوى الدولية العظمى باتت متيقنة أن الرياض محطة جيوسياسية لا يمكن تجاوزها، فقد باتت الحل أو طرفًا في إيجاد الحلول للعديد من الملفات الإقليمية والدولية، فالسعودية لاعب محوري في الساحة الدولية.
بسبب ديناميكية السياسة السعودية الخارجية، فقد استطاعت بحنكة أن تؤلب الدول الكبرى «الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والصين»، والخروج بتنازلات منها جميعًا لصالحها، لذلك يمكن القول إن هذه الدول الكبرى باتت تُفضّل استمالة الرياض لصالحها، وسعت أيضاً إلى استمالة بعض التكتلات للميل في ميزانها من خلال المغريات الاقتصادية تارة، أو تقديم بعض التنازلات في ملفات عالقة بين تلك الدول.
الصين والهند اللتان كانتا منكفأتين على ذاتيهما، وأضحتا متنافستين، في استمالة بعض التكتلات إلى معسكريهما، فيما يُسابق التنين الصيني الخطى للوقوف حتى مع منافسيه ضد النظام العالمي الليبرالي، فضلاً عن سعيها إلى إعطاء الأولوية لمصالح الدول داخل منطقتها، ورفعها على حساب مصالح القوى الخارجية.
العديد من دول الخليج ودول جنوب شرق آسيا، يرون أن القواعد والمعايير ليست ثابتة، بل يجب أن تتطور مع تغير الحقائق على الأرض وعدم الانحياز لأي طرف على حساب طرف آخر، كما أن التشابه بين الكتلتين مرتبط بالتزامهما في الحفاظ على الانسجام المنبثق عن المصالح المتبادلة، وإدارة الخلافات العالقة بالحوار والحكمة، خاصة مع تشابك المصالح والسعي لحلول مربحة للجميع.
بعض النخب من جيراننا قرأ، أن الممر الاقتصادي هو ضد مصلحة بلدان بعينها، أو أنه ضد طريق الحرير، لكن من وجه نظري أن الحزام أو الممر يصب في مصلحة المملكة أولاً ودول الشرق الأوسط التي ستحرك من عجلة اقتصادها وستوفر الوقت والمال الذي هو شريان حياة للدورة الاقتصادية، ورفع مستوى التبادل التجاري بين الدول، كما أن الثقل السعودي في الساحة الاقتصادية حتم على تلك القوى الاستفادة من الموقع الجغرافي والتسارع التقني وأنماط التجارة المرنة في المملكة؛ للوصول إلى الطرف الآخر من العالم بأسرع وأقصر الطرق.. باختصار «لا خسران لكل من مد يده واتحد مع المملكة».