علي الخزيم
أهزوجة خفيفة لطيفة لا أعرف قائلها ومطلعها:
(الِّلي شِبِيه الورد لا يِهدي الورد
يِهدي على وجه الصّباح ابتسامة)
وثمة بيت من قصيدة للشاعر المصري المعاصر المتمكن محمد عبد الوهاب:
(نسري ونسرقُ من كرم الهوى قُبَلا
كشهقة الوَرد قبل الفَجر إن قُطِفَا).
الورد والأزاهير تحضر كلما حضر الجمال والبهاء والأناقة ويطغى حضورها كلما أشرق نور فاتنة رقيقة ساحرة الجمال، وتبدو الورود أبهى وأجمل حين يمتزج جمالها بجمال وفتنة المحبوبة، فمعايير وقسمات وتلوُّن وتنوع جمال الزهور والورود نلمسه دوماً بمشاعر وأشعار المُتيَّمِين العشَّاق؛ فوَضاءة وألَق مُحيَّا المحبوبة كأنه يُستمد من باقات الزهور والورود المحيطة بذات الحُسن والدلال، ويُفضّل العشاق تبادل الورود على غيرها من الهدايا غالية الأثمان فللوردة تعبير ورونق لا يعادله الذهب وإن تعلقت قلوب العذارى ببريقه؛ فللمواقف العاطفية مراسم مصدرها شغاف القلوب تتعالى على القِيَم المادية، ولا نبالغ حين نقول إن هذه القيم عند البعض تأتي لاحقاً ولا تُفَرِّط بها كثير من النساء وإن تناستها ببداية التّعرّف والخطبة!
ولا يجد لذة وفخامة الوَجْد والعِشق إلا من عاش وجَاس عُمق مرحلته بعيداً عن الأوهام والخيالات؛ وهؤلاء هم من يدركون جيداً إيجابيات الكلمة الوارفة والوردة الباسقة عطراً ووفاء! وهنا قد يناسب الموضوع تدوين جملة طريفة قرأتها مؤخراً وهي على لسان من تَذوَّق كؤوس الحب إذ يقول: (كل زهرةٍ تُقطف لكِ فقد فازت بحسن الخاتمة).
ثقافة عشق وحب الزهور عند العرب - بصحرائهم ومزارعهم - لم تكن وليدة القرون القليلة الماضية؛ فمن تتبُّعهم لمواسم الغيث واخضرار الأرض عرفوا قيمة الإزهار الربيعي فألفوه وعبَّروا عنه بكثير من أشعارهم وحِكَمهم البليغة، استمع لابن المعتز حين يقول:
(أتاكَ الوَردُ مَحبُوباً مَصُوناً
كمَعشوقٍ تكَنّفَهُ الصّدودُ).
وهذا الشاعر السوري الدغيم يتغنى بحالة من الوَلَه ويستحضر جمال وشذا الورد؛ ورشاقة وشدو العصفور بصورة جمالية أخّاذة تُنبئ عن تذوق العرب للجمال بكل أُطُرِه وعناصره:
(فَأَنَاْ وَالْوَرْدُ وَالْعُصْفُوْرُ قَدْ
جَرَّنَا الْحُزْنُ إِلَىْ غُدْرَاْنِه
فَإِذَا الْعِشْقُ دُمُوْعٌ؛ وَأَنَاْ
وَالْوَرْدُ وَالْعُصْفُوْرُ فِيْ مَيْدَاْنِهِ).
وحين تتاح لك فرصة التجوال بمناطق ومحافظات مملكتنا الحبيبة فإنك ستنعم بمناظر تبهج النفس وتسر القلب وتجلو صدأ المشاعر، تأمل جنبات شوارع أبها جنوب المملكة وحدائقها بزهورها الزرقاء الباهِيَة إلى جانب ألوان وأصناف من ملايين الزهور اللافتة، أو انتقل ببصرك إلى محافظات القصيم فستجد بالرس والبكيرية وما جاورها ما يَسُر نظرك، أمَّا في بريدة وعنيزة فالوضع يحتاج لوقفة تأملية مطولة، ولذلك اتجهت بلديات وأمانات المناطق والمدن والمحافظات كافة للعناية بزراعة الورود وتجميل الشوارع والحدائق بالزهور، وهي مشروعات تستحق الإشادة.
والأمر لم يتوقف عند مساحات الحدائق وجنبات الطرقات؛ بل يمتد إلى زوايا المنازل والمحالّ التجارية والمطاعم ونحوها، وحين تتوفر القناعة بأهمية الورد بمنازلنا؛ فمن الضروري احتواء نفوسنا ومشاعرنا لهذا الجمال الوردي برمزه قوي التأثير للتعامل فيما بيننا، كما أن جمال المَظهر لا يغني عن جمال المَخبَر؛ فدواخلنا أولى بالجميل والتَّجمل، واصطناع المعروف، وديمومة المحبة والوفاء والوئام، ومعاني الجمال كافة.