فضل بن سعد البوعينين
هل أصبح العالم على مشارف «بداية النهاية» لعصر الوقود الأحفوري؟. هذا ما يعتقده مدير وكالة الطاقة الدولية، «فاتح بيرول» الذي توقع أن الطلب على النفط والغاز الطبيعي والفحم سيصل إلى ذروته قبل عام 2030.
توقعات تفتقر المنهجية العلمية المحايدة، وتتناقض مع واقع مزيج الطاقة العالمي الذي تشكل مكونات الطاقة الأحفورية أكثر من 80 في المائة منه. تصريحات غير مسؤولة هي أقرب إلى التكهنات الموجهة، منها للحقائق المثبتة. تسييس ملف الطاقة وتزعم الوكالة الدولية لتوجيهه وفق خطط الدول الأعضاء المتحيزة ضد الطاقة الأحفورية هو السبب الكامن خلف تلك التصريحات، وبعض الدراسات الموجهة.
الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، أشار في جلسة حوارية سابقة بأن «هناك منظمة اسمها وكالة الطاقة الدولية، أثبتت أن الأمر يتطلب مهارة خاصة لتكون مخطئاً على الدوام وهذا بالضبط ما فعلوه». حقيقة مؤلمة، ونقد لاذع، بأسلوب ساخر مؤطر بالدبلوماسية. فمتى نجحت وكالة الطاقة الدولية في توقعاتها؟ أو متى أثبتت للعالم حياديتها في إدارة شؤون الطاقة، أو تحفيز الاستثمارات المعززة لاستدامة الإمدادات، بعيداً عن أزمات الإنتاج والمعروض النفطي الذي سيكون حاضراً لأسباب مرتبطة بشح الاستثمارات، ومخاطرها الكبرى التي باتت الوكالة الدولية من أسبابها.
«بيرول» أشار في تصريحه بأن مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة الكبيرة تواجه خطر أن تصبح ما يسمى بالأصول العالقة، و»إن مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة واسعة النطاق لا تنطوي على مخاطر مناخية كبيرة فحسب، بل تحمل مخاطر مالية كبيرة أيضًا»، تصريح منفر من الاستثمار في مشاريع الطاقة الأحفورية، ما قد يتسبب بأزمة إمدادات حقيقية خلال السنوات القادمة. عمليات التنقيب، ومشاريع الإنتاج الكبرى هي التي تحافظ على استدامة الإمدادات، وتحقيق أمن الطاقة، وتوازن الأسواق واستقرار الأسعار، وحماية الاقتصاد العالمي من الأزمات، وهو ما غفل عنه مدير الوكالة الدولية الذي غَلَّب توجهات الدول الأعضاء في الوكالة، على مصلحة الاقتصاد العالمي، والدول المنتجة، والمستهلكة.
أمين منظمة أوبك، هيثم الغيص، أكد بأن التخلي عن الوقود الأحفوري «سيؤدي إلى فوضى في مجال الطاقة على نطاق غير مسبوق، مع عواقب وخيمة على الاقتصادات ومليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم».
أستبعد أن تكون الجهالة، سبباً في خطأ بيانات وتوقعات وكالة الطاقة الدولية ومنسوبيها، بل هي عمليات ممنهجة وموجهة لتحقيق أهداف محددة، ومضرة، في الوقت عينه، بالدول المنتجة والمستهلكة، والاقتصاد العالمي. قد تكون فوضى الطاقة هي النتيجة الحتمية التي تبحث عنها الوكالة، والدول الغربية، الذين يعملون على خطوط متوازية للحد من الطاقة الأحفورية، والإضرار بالدول المنتجة. ملف التغير المناخي، التشريعات المتحيزة ضد النفط، التضخم العالمي وربطة بارتفاع أسعار الطاقة، إثارة الفتن والحروب في الدول المنتجة، واستهداف منابع النفط جزء رئيس من منظومة المواجهة ضد الطاقة الأحفورية. فوضى الطاقة التي حذر منها أمين منظمة أوبك ربما كانت الهدف الذي يسعى الغرب لتحقيقه، من خلال إعادة استنساخ استراتيجية «الفوضى الخلاقة» في قطاع الطاقة.
محاولة الربط بين التضخم العالمي وأسعار النفط هو جزء رئيس من إثارة الشعوب الغربية ضد دول أوبك، وشيطنتها عالمياً، وبما يسهل عملية اتخاذ أي إجراءات مستقبلية ضدها، بالرغم من كون الولايات المتحدة المتسبب الأول في تغذية التضخم العالمي من خلال اتخاذها سياسة التيسير الكمي لدعم الاقتصاد دون التمعن بمخاطره وإنعكاساته على التضخم. كما أن الولايات المتحدة ودول أوروبا كانوا سبباً في ارتفاع أسعار الطاقة بسبب سياساتهم غير الرشيدة التي أدت إلى تقييد إنتاج الطاقة الأحفورية، والمصافي، وخفض إنتاج الوقود، وفرض مزيد من الضرائب ما تسبب في ارتفاع أسعارها وتغذيتها للتضخم. وبالتمحيص الدقيق نجد أن أميركا والدول الأوروبية سبباً مباشراً في حدوث التضخم العالمي، وارتفاع أسعار الطاقة، وإساءة إدارة ملف التغير المناخي وتسييسه ليكون رأس حربة لمهاجمة الدول المنتجة، وفي مقدمها دول أوبك. أما المخاطر الجيوسياسية، فتقف خلفها دول أوروبا وأميركا بقوة، وآخرها الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها الخطيرة على قطاع الطاقة، والتضخم العالمي، وسلاسل الإمداد، والأمن الغذائي.
سيبقى النفط والغاز المصدر الرئيس، والأرخص، والموثوق للطاقة، والحديث عن بداية نهاية عصر الوقود الأحفوري، وتحديد ذروته بعام 2030 هو ضرب من الخيال، وأمنيات يسعى مروجوها لإقناع العالم بها، وهم أكثر العارفين بخطئها واستبعاد حدوثها في المستقبل المنظور.