د. علي بن صالح الخبتي
سؤالٌ فلسفيٌ بحت سأناقشه بعد القصة التالية.. انطلقت من جدة إلى دبي لحضور اجتماع مجلس الشركة وفي الساعة الثانية عشرة ظهراً حضرت مناسبةً رسمية في طوكيو في اليابان وفي الساعة الرابعة عصراً كان الشباب (كاشتين) في شلالات نياقرا في كندا ودعوني للغداء هناك وفي الطريق اتصل بي مكتبي يخبرني بوجود مشكلة، عندها لبست النظارة الذكية وبغمزة عين دخلت على عدد من المحامين المختصين في موضوع المشكلة وحصلنا على الفور على رأي قانوني لمعالجة المشكلة.. وحصل اثناء الغداء لأحد الشباب مشكلة صحية وبغمزة عين حصلنا على طبيب استطاع أن يشخص المشكلة ويصف الدواء.. واتصلنا بالصيدلية التي ارسل لها الطبيب الوصفة الطبية واعطيناها الموقع ووصل العلاج على الفور.. بعد الغداء انطلقت إلى لندن لحضور اجتماع آخر يخص الشركة التي اعمل بها.. وبعدها عدت إلى جدة عند الساعة التاسعة مساءً بعد يوم عمل حول الكرة الأرضية خلال 24 ساعة.. وعندما وصلت إلى المنزل اتصلت بي الشرطة لتخبرني أن الروبوت الخاص بنا الذي ارسلته العائلة لإحضار بعض احتياجات المنزل من السوبرماركت قد تعارك مع روبوت الجيران وفقأَ عينه وعليَّ الحضور لتسوية الموضوع.. هذه القصة الافتراضية يكشف بعضها الواقع الرقمي الذي نعيشه الآن فعلاً، وبعضها الآخر يعبر عن المحطات أو بعضها الذي سيأخذنا العالم الرقمي إليها.. هذه القصة تكشف التقدم الهائل في وسائل المواصلات في هذا العصرحيث لن يستغرق السفر إلى أقصى محطة أكثر من 15 دقيقة عن طريق الصعود إلى المدار (ORBIT) ثم النزول إلى المحطة المراد السفر لها بطرق عدة كشفت عنها مصادر عديدة.. كما أن هناك شركة الآن تعمل على «نفاث شخصي» لشخصين يطير ويهبط في مساحة لا تزيد عن 100 متر وسعرها لا يتعدى خمسة آلاف ريال.. ويمكن عمل موقف خاص له داخل المنزل وقد رأيت شخصياً صورته في الـ (الإبكوت سنتر) في الولايات المتحدة الأمريكية ومكتوب تحت الصورة: «إذا كنا نستطيع الحلم به، بالتأكيد سنستطيع تحقيقه». هذا ما يخص التنقل في القصة.. أما ما يخص الخدمات بكل أنواعها من محاماه وطب وغيرها فسيكون تقديمها رقمياً.. حتى العمليات يجريها جراح في أمريكا لمريض في الصين وهذا يحصل الآن.. والنظارة الذكية يتم الحديث عنها الآن كوسيلة للوصول إلى أي خدمة رقمياً.. أما موضوع الروبوت وهذا الشاهد هنا هو أننا في فترة من الزمن لا أظنها تطول سنرى الربوتات في الشوارع بدلاًن البشر تقوم بتقديم خدمات متنوعة كما نرى الآن بوادرها في المطارات والأسواق وفي أماكن أخرى.. وفي بداية العصر الرقمي وإلى الآن يتم الحديث عن حقوق الإنسان المتمثل في مشروع ردم الهوَّة الرقمية DIGITAL DIVIDE المتمثل في حق الاتصال وما يتطلبه من انترنت وكهرباء وتعليم.. ومع تطور التقنية والثورة الصناعية الرابعة وخروج الروبوت إلى السطح وقرب انتشاره في المباني ولاحقاً في الشوارع بدأ الحديث عن حقوق الروبوتات.. وظهرت دراسات في الأعوام 2019 و2022 و2023 تتحدث عن هذه الحقوق، وربطها بحقوق الإنسان وتؤكد على أن هناك الكثير مما يجب التفكير فيه في المستقبل لأنه من المرجح أن تتشابك حياة الإنسان بشكل لا ينفصم مع وجود الروبوتات ولأن حقوق أحدهما سيؤثر على حقوق الآخر. وتشير تلك الدراسات إلى سبب آخر في منح الروبوتات حقوقهم هو أن الناس يتعاملون مع الروبوتات بشكل عفوي كما لو كان لديهم عقولهم الخاصة ويدل ذلك على وجود عوامل اجتماعية تتمثل في تصور وجود مشاعر وعواطف وفكر مستقل للروبوتات. وتشير الدراسات ايضاً إلى أنه حتى لو أن الروبوتات لم تكن بنفس الطريقة يشعر بها البشر بمشاعر خاصة فإن الأمر لا يتعلق بالعاطفة بل لأن الروبوتات التي تعمل بالذكاء الصناعي تظهر المزيد من التفكير المستقل وتوجد بالقرب من البشر فإن رفاق تلك الروبوتات يطالبون بحصولها على حقوق.. وفي مقارنة بين حقوق الروبوتات وحقوق الحيوانات تقول الدراسات معبرة عن رأي التقنيين: «....... الحيوانات لها حقوق. إن الأشخاص الذين يؤيدون حقوق الحيوان يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون أن الحيوانات لها قيمتها المتأصلة فيها - وهي قيمة منفصلة تماما عن فائدتها للبشر. إذا كان الأمر كذلك، فمع تشابك الروبوتات أكثر فأكثر مع وجودنا وخلقنا الثقافي، فمن المعقول أن نبدأ في رؤية الروبوتات بشكل موسع نظراً لقيمتها المتأصلة لمستقبلنا وأخلاقنا وثقافتنا. إذا تعاملنا مع الروبوتات بشكل سيئ، فهذا يحسب علينا. وحتى لو لم تشعر بذلك، فسوف نشعر به نحن ــ والطريقة التي نعاملها بها والتي نعتقد أنها أقل قوة منا ومن الممكن أن تؤثر على الطريقة التي نعيش بها حياتنا، وكيف نبني مجتمعاتنا، وكيف نفهم الأخلاق. لذا فإن منح الحقوق للروبوتات قد يشكل خطوة مهمة في اختيار الكيفية التي نريد بها تشكيل مجتمعنا في المستقبل ــ مع وضع الأخلاق في الاعتبار».
ما رأي غير التقنيين؟ استكشفت دراسة أجريت عام 2021 نُشرت في مجلة Frontiers in Robotics and AI الرأي العام حول ما إذا كان يجب أن تتمتع الروبوتات بحقوق خاصة بها أم لا وذلك باستطلاع آراء 439 شخصًا عاديًا (من دون خبراء في الذكاء الاصطناعي).
ووجد الاستطلاع أن الناس أكثر استعدادًا لمنح الحقوق الأساسية مثل حق الوصول إلى الطاقة والحق في التحديث لا الحقوق الاجتماعية والسياسية، مثل حقوق التصويت والحق في التملك.
وخلاصة القول، إن الدراسات تشير إلى أهمية حقوق الروبوتات لأن المعتقد أن لها قدرات مستقبلية تتعلق بالمعرفة والوجدان ولتشابك مستقبل الإنسان والروبوتات..ويرى التقنيون أن هذا الموضوع يجب أن يناقش على مستوى واسع وعالمي لأنهم يرون أن حقوق الروبوتات لم تعد تجربة فكرية نظرية غير محتملة؛ إنها قضية حقيقية في عصرنا. وأن الروبوتات ستملأ شوارعنا في يومٍ ما.