د. محمد عبدالله الخازم
هناك قاعدة ذهبية دائماً نرددها «الأثر أهم من الحجم». في عالم الكتب والنشر والثقافة ليس مهماً عدد الكتب المنتجة أو المنشورة أو المترجمة، بل الأثر الذي تحدثه من خلال انتشارها وتوفرها للقراء وإسهامها في نشر الفكر والتنوير لأكبر شريحة ممكنة. للأسف، بأن الاهتمام بالعدد واعتباره المقياس الأهم، جعلنا نوجه الدعم والاهتمام لنشر المزيد من الكتب لنتفاخر بعدد المطبوع مهملين الحلقة الأهم، وهي ما بعد النشر؛ إتاحته للقراءة ليكون له أثر..
دعم النشر أمر إيجابي، لكنني لست قلقاً في هذا الشأن، حيث أرى من واقع خبراتي التي أزعم أنها معقولة في عالم التأليف والنشر والمتابعة الثقافية، أن النشر في ازدياد وبشكل طبيعي لأسباب منها:
1) تطور تقنيات النشر وسهولة الطباعة بالنسبة للناشرين، فلم يعد هناك مغامرة بطباعة آلاف النسخ وتكديسها في المستودعات، بل يكفي الطباعة وفق الاحتياج أو الطلب أو بنسخ قليلة. مغامرة دور النشر بقبول الأعمال أصبحت محدودة.
2) أغلب دور النشر العربية - ظاهرة ملحوظة - تتعامل مع المؤلف بطريقة المشاركة بحيث يدفع المؤلف جزءًا من تكاليف الطباعة لمؤلفه، وبالتالي خسائرها المحتملة تتناقص.
3) التطور العلمي لدى الأجيال الراهنة وانتشار المعرفة عبر وسائل حديثة سهلة مقارنة بالماضي كالإنترنت، سهل البحث والوصول للمعلومة والمراجع في مختلف المواضيع.
4) التطور المفاهيمي للتأليف - كما أراه - حيث لم يعد يتطلب اللغة الأدبية الصارمة بقدر ما يتطلب المعلومة/ الحبكة وآلية عرضها. انتهى زمن لا يكتب فيه سوى الأريب الفذ في السرد الأدبي واللغوي. القاعدة الراهنة هي، أكتب حكايتك فاللغة مجرد وسيلة تواصل.
5) ازدياد الثقة، ربما لعوامل ثقافية وتعليمية واجتماعية وتقنية، لدى الأجيال الحديثة من الجنسين في خوض غمار التأليف والتدوين والتعبير عبر مختلف الوسائل الإعلامية والثقافية. هذا يعني وجود أعداد أكبر تقبل على التأليف والترجمة والنشر...
هناك صعوبات في العلاقة بين المؤلف/ المترجم والناشر، حيث تتواضع الشفافية والمصداقية لدى بعض دور النشر، لكنني أتجاوز ذلك حيث هي قضية شائكة، وأعتبرها - كمؤلف- سوقًا علينا التعامل معها، كسوق العقارات والسيارات وغيرها. الأهم الذي أركز عليه هنا الاهتمام بالأثر ودعم المنجز الجاد والنوعي. ليس المهم كم ننتج، بل هل وصل للناس؟ هل حفزنا وهيأنا بيئات ومجتمعات القراءة عبر تسهيل الوصول للمادة الثقافية؟
تحديداً أريد دعم المؤلفات السعودية باقتنائها وتوزيعها عبر منافذ القراءة، وتجاوز مجرد دعم التاجر الناشر ليطبع أكبر عدد من العناوين. نحتاج إلى شراء الكتاب وتوزيعه في المكتبات العامة والجامعات والمدارس والسفارات والملحقيات غيرها من منافذ القراءة التي يتجمع فيها الناس. يهم المؤلف أن يقرأ الناس فكره الذي اجتهد فيه ويعتقد أنه صالح للنشر والقراءة، ويحز في نفسي رؤية مكتبات المدارس والجامعات والمكتبات العامية وما في حكمها من أماكن القراءة والثقافة والترويج لها خاوية من الإصدارات السعودية الحديثة.
جهات عديدة، تعليمية وثقافية وغيرها، توقفت عن دعم المنتج الثقافي السعودي، لكن الآن لدينا صندوق الثقافة وهيئة النشر، نطالبهما بتوجيه الدعم لشراء وتوزيع المؤلفات السعودية في المكتبات والمدارس والجامعات وأي مكان يقرأ فيه الناس، فذلك أهم من مجرد دعم طباعي الكتب. لنحلم بخطة توزيع 200 ألف كتاب سنوياً على المكتبات والمدارس والجامعات والجهات ذات العلاقة، لنصل خلال خمس سنوات إلى إتاحة مليون كتاب لأغلب القراء.